التفاسير

< >
عرض

يَسْأَلُكَ أَهْلُ ٱلْكِتَابِ أَن تُنَزِّلَ عَلَيْهِمْ كِتَاباً مِّنَ ٱلسَّمَآءِ فَقَدْ سَأَلُواْ مُوسَىٰ أَكْبَرَ مِن ذٰلِكَ فَقَالُوۤاْ أَرِنَا ٱللَّهَ جَهْرَةً فَأَخَذَتْهُمُ ٱلصَّاعِقَةُ بِظُلْمِهِمْ ثُمَّ ٱتَّخَذُواْ ٱلْعِجْلَ مِن بَعْدِ مَا جَآءَتْهُمُ ٱلْبَيِّنَاتُ فَعَفَوْنَا عَن ذٰلِكَ وَآتَيْنَا مُوسَىٰ سُلْطَاناً مُّبِيناً
١٥٣
وَرَفَعْنَا فَوْقَهُمُ ٱلطُّورَ بِمِيثَاقِهِمْ وَقُلْنَا لَهُمُ ٱدْخُلُواْ ٱلْبَابَ سُجَّداً وَقُلْنَا لَهُمْ لاَ تَعْدُواْ فِي ٱلسَّبْتِ وَأَخَذْنَا مِنْهُمْ مِّيثَاقاً غَلِيظاً
١٥٤
فَبِمَا نَقْضِهِم مِّيثَاقَهُمْ وَكُفْرِهِم بَآيَاتِ ٱللَّهِ وَقَتْلِهِمُ ٱلأَنْبِيَآءَ بِغَيْرِ حَقٍّ وَقَوْلِهِمْ قُلُوبُنَا غُلْفٌ بَلْ طَبَعَ ٱللَّهُ عَلَيْهَا بِكُفْرِهِمْ فَلاَ يُؤْمِنُونَ إِلاَّ قَلِيلاً
١٥٥
-النساء

حاشية الصاوي

قوله: { يَسْأَلُكَ } أي سؤال تعنت ذو عناد، فلذا لم يبلغهم الله مرادهم، ولو كان سؤالهم لطلب الاسترشاد لأجيبوا. قوله: (اليهود) أي أحبارهم. قوله: { أَن تُنَزِّلَ عَلَيْهِمْ كِتَاباً مِّنَ ٱلسَّمَآءِ } أي فقالوا إن كنت نبياً فائتنا بكتاب محرر بخط سماوي في ألواح كما نزلت التوراة. قوله: (تعنتاً) مفعول لأجله أي فالحامل لهم على السؤال التعنت والعناد والاسترشاد، وإلا لأجيبوا. قوله: (فإن استكبرت ذلك) قدره إشارة إلى أن قوله: { فَقَدْ سَأَلُواْ مُوسَىٰ } جواب شرط محذوف، والمعنى إن استعظمت سؤالهم، فقد وقع من أصولهم ما هو أعظم من ذلك. قوله: (أي آباؤهم) أي إنما نسب السؤال لهم لأنهم راضون بها فكأنها وقعت منهم. قوله: { فَقَالُوۤاْ } تفسير لسألوا على حد توضأ فغسل وجهه. قوله: (عياناً) أي معاينين له، وذلك أن موسى عليه السلام اختار من قومه سبعين من بني إسرائيل، فخرج معهم إلى الجبل ليستغفروا لقومهم حيث عبدوا العجل { فَقَالُوۤاْ أَرِنَا ٱللَّهَ جَهْرَةً }. قوله: { فَأَخَذَتْهُمُ ٱلصَّاعِقَةُ } أي ثم أحيوا بعد ذلك حين قال موسى: رب لو شئت أهلكتهم من قبل وإياي.
قوله: { ثُمَّ ٱتَّخَذُواْ ٱلْعِجْلَ } ثم للترتيب الذكري الإخباري، لأن عبادة العجل كانت قبل ذلك قوله: (المعجزات) أي كالعصا واليد البيضاء والسنين وفلق البحر. قوله: { فَعَفَوْنَا عَن ذٰلِكَ } أي قبلنا توبتهم، فتوبوا أنتم أيضاً حتى يعفو عنكم. قوله: { سُلْطَاناً } أي قهراً عظيماً وسلطنة جليلة. قوله: (فأطاعوه) أي فقتل منهم سبعون ألفاً في يوم واحد.
قوله: { بِمِيثَاقِهِمْ } أي حين جاءهم موسى بالتوراة، وفيها الأحكام فامتنعوا من قبولها، فرفع الله فوقهم الطور، فخافوا من وقوعه عليهم فقبلوه وسجدوا على جبينهم وأعينهم تنظر له، فصار ذلك فيهم إلى الآن. قوله: (فيقبلوه) أي الميثاق ولا ينقضوه. قوله: (وهو مظل عليهم) أي مرفوع عليهم، والتقييد بذلك سبق قلم، لأن القول قيل على لسان يوشع بن نون وهي قرية الجبارين، وأما رفع الجبل فكان قبل دخولهم التيه حين جاءتهم التوراة فلم يؤمنوا بها. قوله: (سجود انحناء) أي خضوع وتذلل، فخافوا ودخلوا يزحفون على أستاهم، وتقدم بسط ذلك في البقرة. قوله: { لاَ تَعْدُواْ } بسكون العين وضم الدال من عدا يعدو بمعنى جار، وأصله تعدووا بضم الواو الأولى وهي لام الكلمة، استثقلت الضمة عليها فحذفت فالتقى ساكنان، حذفت الواو لالتقائهما ووزنه تفعوا. قوله: (وفي قراءة بفتح العين) أي فأصله تعتدوا قلبت التاء جالاً ثم أدغمت في الدال، والمعنى أنهم نهوا عن الاعتداء في السبت بصيد السمك، فخالف بعضهم واصطاد وامتنع بعضهم من غير نهي للآخرين وامتنع بعضهم مع نهي من اصطاد، فحل بمن اصطاد العذاب ونجا من نهي، وسيأتي بسط ذلك في سورة الأعراف. قوله: { مِّيثَاقاً غَلِيظاً } أي أنهم إن خالفوا عذبهم الله بأي نوع من العذاب وأراده. قوله: { بَآيَاتِ ٱللَّهِ } أي القرآن أو كتابهم. قوله: { بِغَيْرِ حَقٍّ } أي حتى في زعمهم، أي فهم مقرّون بأن القتل بغير وجه.
قوله: { بَلْ طَبَعَ ٱللَّهُ عَلَيْهَا } أي غشيت وغطيت بغطاء معنوي لا حسي كما قالوا تهكماً، بمعنى أنهم صم بكمٌ عمي لا يهتدون للحق ولا يعونه. قوله: { إِلاَّ قَلِيلاً } قيل إنه مستثنى من فاعل { يُؤْمِنُونَ } ورد بأن من آمن لم يطبع على قلبه، والأحسن أنه مستثنى من الهاء في قوله: { بَلْ طَبَعَ ٱللَّهُ عَلَيْهَا } أي إلا قليلاً فلم يطبع على قلوبهم. قوله: (ثانياً بعيسى) أي وأولاً بموسى. قوله: (وكرر الباء) أي في قوله: و { بِكُفْرِهِمْ }. قوله: (للفصل) أي بأجنبي وهو قوله: { بَلْ طَبَعَ ٱللَّهُ }. قوله: (حيث رمونا بالزنا) أي منكرين تعلق قدرة الله تعالى بخلق واد من غير والد، ومعتقد ذلك كافراً لأنه يلزم عليه القول بقدم العالم، لأن كل ولد لا بد له من والد وهكذا.