التفاسير

< >
عرض

وَإِذَا حُيِّيتُم بِتَحِيَّةٍ فَحَيُّواْ بِأَحْسَنَ مِنْهَآ أَوْ رُدُّوهَآ إِنَّ ٱللَّهَ كَانَ عَلَىٰ كُلِّ شَيْءٍ حَسِيباً
٨٦
ٱللَّهُ لاۤ إِلَـٰهَ إِلاَّ هُوَ لَيَجْمَعَنَّكُمْ إِلَىٰ يَوْمِ ٱلْقِيَامَةِ لاَ رَيْبَ فِيهِ وَمَنْ أَصْدَقُ مِنَ ٱللَّهِ حَدِيثاً
٨٧
-النساء

حاشية الصاوي

قوله: { وَإِذَا حُيِّيتُم بِتَحِيَّةٍ } هذا من جملة أفراد الشفاعة الحسنة، وفيه تعليم محاسن الأخلاق، وهو أنه ينبغي للإنسان أن يجازي على المعروف بأحسن منه أو بمثله، والتحية في الأصل الدعاء بطول الحياة، وكانت العرب إذا لقي بعضهم بعضاً يقول له حياك الله، ثم استعملت في الإسلام وإنما اختير لفظ السلام على لفظها الأصلي أنه أتم وأنفع، لأن السلام معناه السلامة من الآفات الدنيوية والآخروية، ورحمة الله إنعامه وبركاته حفظه من الزوال، وأما طول الحياة فلا يلزم منه السلامة، من الآفات، بل قد يكون طول الحياة مذموماً كما إذا كان في المعاصي، فكان السلام بهذا المعنى أتم وأكمل، وأصل (تحية تحيية كتزكية، نقلت حركة الياء الأولى إلى ما قبلها ثم أدغمت فيما بعدها. قوله: (كأن قيل لكم سلام عليكم) أي بهذا اللفظ وما شابهه، كالسلام عليكم، أو سلامي عليكم، أو سلام الله عليكم والأولى أن يأتي بميم الجمع، ولو كان المسلم عليه واحداً أو مثنى أو جمع نسوة نظراً للملائكة المصاحبين للمسلم عليه، فإذا سلم بغير هذا اللفظ وما شابهه، كالسلام عليكم، أو سلامي عليكم، أو سلام الله عليكم والأولى أن يأتي بميم الجمع، ولو كان المسلم عليه واحداً أو مثنى أو جمع نسوة نظراً للملائكة المصاحبين للمسلم عليه، فإذا سلم بغير هذا اللفظ كأمان الله عليكم أو غير ذلك، فلا يجب عليه الرد، ومن المطلوب المصافحة، لما ورد أنها تذهب الغل من القلوب، وأما تقبيل اليد فهو مكروه إلا لمن ترجى بركته كشيخ أو والد، وأما المعانقة فمكروهة إلا لشوق، كقدوم من سفر ونحوه. واعلم أن ابتداء السلام سنة، ورده فرض كفاية، ولكن الابتداء أفضل من الرد، لما ورد "أن للبادئ تسعين حسنة، وللراد عشرة" ومثله الوضوء قبل الوقت فإنه مندوب، لكنه أفضل من الوضوء بعده الواجب، وإبراء المعسر مندوب، وهو أفضل من أنظاره الواجب. وجمع ذلك بعضهم في قوله:

الْفَرْضُ أَفْضَلِ مِنْ تَطَوّعٍ عَابِد حَتَّى وَلَو قَدْ جَاءَ مِنْهُ بِأَكْثَر
إلاَّ التَّطَهُّرِ قَبْلَ وَقْتٍ وَابْتداء لِلسَّلاَمِ كَذَاكَ إِبرا المعْسر

وقد تقدم في آخر البقرة. قوله: { فَحَيُّواْ } أصله حييوا، استثقلت الضمة على إيلاء فحذفت الضمة فالتقى ساكنان الياء والواو، فحذفت الياء وضم ما قبل الواو. قوله: (بأن تقولوا عليك السلام ورحمة الله وبركاته) أي فإذا اقتصر البادئ على السلام وزاد الراد الرحمة والبركة، "روي أن رجلاً، قال لرسول الله صلى الله عليه وسلم: السلام عليك، فقال: وعليك السلام ورحمة الله وقال آخر: السلام عليك ورحمة الله، فقال وعليك السلام ورحمة الله وبركاته. وقال آخر: السلام عليك ورحمة الله وبركاته، فقال: وعليك السلام ورحمة الله وبركاته، فقال الرجل: نقصتني الفضل على سلامي، فأين ما قال الله؟ فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: لم تترك لي فضلاً فرددت عليه مثله، ولا يزاد على البركة شيء لا من البادي ولا من الراد، لما ورد أن رجلاً سلم على ابن عباس فقال له السلام عليكم ورحمة الله وبركاته ثم زاد شيئاً،" فقال ابن عباس إن السلام انتهى إلى البركة.
قوله: { أَوْ رُدُّوهَآ } أي ردوا مثلها على حد واسأل القرية لأن رد عينها محال. قوله: (والمبتدع) أي صاحب البدعة التي تخالف الشرع. قوله: (والفاسق) أي بالجارحة المتجاهر. قوله: (على قاضي الحاجة) أي ومن في حكمه كمن في محل مستقذر، أو في حال الاستنجاء. قوله: (ومن في الحمام) أي في محل الحرارة لا خارجه في محل نزع الثياب. قوله: (والآكل) أي بالفعل بأن كان فمه مشغولاً بالمضغ لا وقت خلوه منه فيجب الرد. قوله: (بل يكره في غير الأخير) أي الآكل بالفعل. قوله: (ويقال للكافر وعليك) أي لأنه يقول في سلامه السام عليك، والسام الموت، فيرد عليه بقوله وعليك، ومحل ذلك ما لم يتحقق منه النطق بالسلام بلفظه وإلا فيرد.
قوله: { ٱللَّهُ } مبتدأ، { لاۤ إِلَـٰهَ إِلاَّ هُوَ } خبر أول، و { لَيَجْمَعَنَّكُمْ } خبر ثان، ورد بالخبر الأول على منكري التوحيد، وبالثاني على منكري البعث. قوله: (والله) أشار بذلك إلى أن اللام في { لَيَجْمَعَنَّكُمْ } موطئة لقسم محذوف. قوله: { لَيَجْمَعَنَّكُمْ } أي يحشركم بعد تفرقكم، قال تعالى:
{ { وَهُوَ عَلَىٰ جَمْعِهِمْ إِذَا يَشَآءُ قَدِيرٌ } [الشورى: 29]. قوله: { إِلَىٰ } (في) أشار بذلك إلى أن { إِلَىٰ } مضمنة معنى (في) ويصح بقاؤها على أصلها، ويضمن الفعل معنى يحشر، وهو الأقرب، لأن التجوز في الفعل أكثر من التجوز في الحرف. قوله: { لاَ رَيْبَ فِيهِ } أي لا تردد ولا تحير في ذلك اليوم. قوله (أي لا أحد) أشار بذلك إلى أن الاستفهام إنكاري بمعنى النفي. قوله: { حَدِيثاً } تمييز. قوله: (ولما رجع ناس) هذا إشارة لسبب نزول الآية، والمراد بالناس عبد الله بن أبي وأًحابه الثلثمائة وكانوا منافقين. قوله: (اختلف الناس) أي الصحابة، وقوله: (اقتلهم) أي للأمارة الدالة على كفرهم، وقوله: (وقال فريق لا) أي لنطقهم بالشهادتين، واللوم في الحقيقة راجع على الفريق الثاني القائل لا تقتلهم.