التفاسير

< >
عرض

مَا قُلْتُ لَهُمْ إِلاَّ مَآ أَمَرْتَنِي بِهِ أَنِ ٱعْبُدُواْ ٱللَّهَ رَبِّي وَرَبَّكُمْ وَكُنتُ عَلَيْهِمْ شَهِيداً مَّا دُمْتُ فِيهِمْ فَلَمَّا تَوَفَّيْتَنِي كُنتَ أَنتَ الرَّقِيبَ عَلَيْهِمْ وَأَنتَ عَلَىٰ كُلِّ شَيْءٍ شَهِيدٌ
١١٧
إِن تُعَذِّبْهُمْ فَإِنَّهُمْ عِبَادُكَ وَإِن تَغْفِرْ لَهُمْ فَإِنَّكَ أَنتَ ٱلْعَزِيزُ ٱلْحَكِيمُ
١١٨
قَالَ ٱللَّهُ هَـٰذَا يَوْمُ يَنفَعُ ٱلصَّادِقِينَ صِدْقُهُمْ لَهُمْ جَنَّاتٌ تَجْرِي مِن تَحْتِهَا ٱلأَنْهَارُ خَالِدِينَ فِيهَآ أَبَداً رَّضِيَ ٱللَّهُ عَنْهُمْ وَرَضُواْ عَنْهُ ذٰلِكَ ٱلْفَوْزُ ٱلْعَظِيمُ
١١٩
-المائدة

حاشية الصاوي

قوله: { إِلاَّ مَآ أَمَرْتَنِي بِهِ } هذا استثناء مفرغ، وما اسم موصول في محل نصب هي وصلتها بالقول. قوله: (وهو) { أَنِ ٱعْبُدُواْ ٱللَّهَ } أشار بذلك إلى أن قوله أن اعبدوا الله في محل رفع خبر لمحذوف تقديره وهو أن اعبدوا. وقوله: { وَكُنتُ عَلَيْهِمْ شَهِيداً } الجملة حالية. قوله: (أمنعهم مما يقولون) ما مصدرية ظرفية تقدر بمصدر مضاف إلى زمان وصلتها دام، ويجوز فيها التمام والنقصان، فإن كانت تامة كان معناها الإقامة، وفيهم متعلق بها وإن كانت ناقصة يكون قوله فيهم خبرها، فعلى الأول يصير المعنى وكنت عليهم شهيداً مدة إقامتي فيهم، وعلى الثاني وكنت عليهم شهيداً مدة دوامي مستقراً فيهم. قوله: { فَلَمَّا تَوَفَّيْتَنِي } يستعمل التوفي في أخذ الشيء وافياً أي كاملاً، والموت نوع منه، قال تعالى: { { ٱللَّهُ يَتَوَفَّى ٱلأَنفُسَ حِينَ مَوْتِـهَا وَٱلَّتِي لَمْ تَمُتْ فِي مَنَامِـهَا } [الزمر: 42] وليس المراد الموت، بل المراد الرفع كما قال المفسر. قوله (قبضتني بالرفع إلى السماء) حاصل ما في المقام، أن هذه العقيدة، وقعت منهم بعد رفعه إلى السماء وتستمر إلى نزوله، ولم منهم قبل رفعه، وأما بعد نزوله فلم يبق نصراني أبداً، بل إما الإسلام أو السيف، فتعين أن يكون معنى توفيتني رفعتني إلى السماء، ولو على القول بأن هذا السؤال واقع يوم القيامة، بل ذلك مما يؤيده تأمل. قوله: (أي لمن آمن منهم) دفع بذلك ما يقال إن المغفرة لا تكون للمشركين، فأجاب بأن المعنى وإن تغفر لمن آمن منهم، ولذا قال عيسى فيما تقدم: بأنه من يشرك بالله فقد حرم الله عليه الجنة ومأواه النار. قوله: { يَوْمُ يَنفَعُ } قرأ الجمهور يرفعه من غير تنوين، وقرأ نافع بنصبه من غير تنوين، ونقل عن الأعمش النصب مع التنوين، وعن الحسن الرفع مع التنوين، فتوجيه القراءة الأولى: أن هذا مبتدأ، ويوم خبره، وجملة ينفع الصادقين صدقهم في محل جر بإضافة يوم إليها، وكذا القراءة الثانية، غير أن الظرف مبني لإضافته إلى الجملة الفعلية، وهو مذهب الكوفيين، ومذهب البصريين أنه منصوب على الظرفية متعلق بمحذوف خبره تقديره يقع يوم ينفع، وأما قراءة التنوين فالرفع على الخبرية والنصب على الظرفية كما قال البصريون، والجملة في محل رفع على الأول أو نصب على الثاني صفة لما قبلها. قوله: { ٱلصَّادِقِينَ } (في الدنيا) أي فالصدق في الدنيا نافع في الآخرة، وأما الصدق في الآخرة فلا يفيد شيئاً، لتقدم الكذب في الدنيا كما سيأتي. قوله (بطاعته) أي بإقامته لهم في الطاعة، أو بسبب تلبسهم بامتثال مأموراته واجتناب منهياته، فالطاعة سبب لرضا الله ودليل عليه. قوله: { وَرَضُواْ عَنْهُ } أي بأن شكروا على نعمائه وصبروا على بلوائه، فرضا الله على عبد، توفيقه لخدمته في الدنيا وإدخاله جنته في الآخرة، ورضا العبد عن ربه في الدنيا صبره على أحكام ربه، وفي الآخرة قناعته بما أعطاه له من النعيم الدائم. قوله: (بثوابه) أي برؤية ثوابه لهم في الجنة، حيث أعطاهم ما لا عين رأت، ولا أذن سمعت، ولا خطر على بال بشر. قوله: { ذٰلِكَ ٱلْفَوْزُ ٱلْعَظِيمُ } اسم الإشارة يعود على الجنات وما بعدها. قوله: (لما يؤمنون الخ) أي كما في قوله تعالى: { { فَلَمَّا رَأَوْاْ بَأْسَنَا قَالُوۤاْ آمَنَّا بِٱللَّهِ وَحْدَهُ } [غافر: 84].