التفاسير

< >
عرض

وَيَوْمَ يِحْشُرُهُمْ جَمِيعاً يَٰمَعْشَرَ ٱلْجِنِّ قَدِ ٱسْتَكْثَرْتُمْ مِّنَ ٱلإِنْسِ وَقَالَ أَوْلِيَآؤُهُم مِّنَ ٱلإِنْسِ رَبَّنَا ٱسْتَمْتَعَ بَعْضُنَا بِبَعْضٍ وَبَلَغْنَآ أَجَلَنَا ٱلَّذِيۤ أَجَّلْتَ لَنَا قَالَ ٱلنَّارُ مَثْوَٰكُمْ خَٰلِدِينَ فِيهَآ إِلاَّ مَا شَآءَ ٱللَّهُ إِنَّ رَبَّكَ حَكِيمٌ عَليمٌ
١٢٨
وَكَذٰلِكَ نُوَلِّي بَعْضَ ٱلظَّٰلِمِينَ بَعْضاً بِمَا كَانُواْ يَكْسِبُونَ
١٢٩
-الأنعام

حاشية الصاوي

قوله: { وَيَوْمَ يِحْشُرُهُمْ } يوم ظرف معمول لمحذوف قدره المفسر بقوله اذكر. قوله: (بالنون والياء) أي فهما قراءتان سبعيتان. قوله: (أي الله) تفسير للضمة على قراءة الياء والنون على القراءة الأخرى. قوله: (الخلق) أي جميع الحيوانات عقلاء وغيرهم. قوله: { جَمِيعاً } توكيد للضمير أو حال منه.
قوله: { يَٰمَعْشَرَ ٱلْجِنِّ } معمول المحذوف قدره المفسر بقوله: (ويقال لهم) وليس معمولاً لنحشرهم بل هما جملتان، وهذا الخطاب بعد جمع الخلائق في الموقف، وتصيير غير العاقل تراباً، وقوله: { يَٰمَعْشَرَ ٱلْجِنِّ } المعشر الجماعة والجمع معاشر، والمراد بالجن الشياطين. قوله: { قَدِ ٱسْتَكْثَرْتُمْ } السين والتاء لتأكيد الكثرة. قوله: (باغوائكم) أشار بذلك إلى أن الكلام على حذف مضاف، والتقدير قد استكثرتم من إغواء الإنس.
قوله: { وَقَالَ أَوْلِيَآؤُهُم مِّنَ ٱلإِنْسِ } لعل وجه الاقتصار على كلام الإنس، الإشارة إلى أن الجن بهتوا فلم يردوا جواباً، وقوله من الإنس في محل نصب على الحال. قوله: { رَبَّنَا } منادى حذف منه حرف النداء. قوله: (انتفع الإنس بتزيين الجن لهم الشهوات) أي التي تنوعت فيها الإنس من سحر وكهانة، ودعوى ألوهية، ودعوى نبوة، وسائر الأديان والعقائد الباطلة، ومن ذلك كان الرجل في الجاهلية، إذا سافر فنزل بأرض فقراء، خاف على نفسه من الجن فقال: أعوذ بسيد هذا الوادي من شر سفهاء قومه فيبيت في جوارهم. قوله: (بطاعة الإنس لهم) أي في هذه الأمور المزينة، فاستمتاع الجن بالإنس بالسلطنة التي تولوها عليهم حيث امتثلوا أوامرهم، وكانوا من حزبهم ودخلوا في جاههم. قوله: { ٱلَّذِيۤ أَجَّلْتَ لَنَا } أي الذي قدرته لنا. قوله: (وهذا تحسر منهم) أي ما وقع منهم من تلك المقالة تحسر وتحزن على ما سلف منهم، من طاعة الشيطان واتباع الهوى قوله: (على لسان الملائكة) مرور على القول بأن الله لا يكلمهم يوم القيامة أصلاً.
قوله: { خَٰلِدِينَ فِيهَآ } حال من الكاف في مثواكم. قوله: (من الأوقات التي يخرجون فيها) تبع المفسر في ذلك شيخه الجلال المحلي في تفسير الصافات، وهو مخالف لظاهر قوله تعالى:
{ { يُرِيدُونَ أَن يَخْرُجُواْ مِنَ ٱلنَّارِ وَمَا هُم بِخَارِجِينَ مِنْهَا } [المائدة: 37] والأحسن أن يقال إلا ما شاء الله من الأوقات التي ينقلون في فيها من النار إلى الزمهرير، فينقلون من عذاب النار، ويدخلون وادياً فيه الزمهرير، وهو شدة البرد، ما يقطع بعضهم من بعض، فيطلبون الرد إلى الجحيم، كما ذكر في حواشي البيضاوي. قوله: (لشرب الحميم) أي وهو ماء شديد الحرارة يقطع الأمعاء، وذلك حين يستغيثون من شر النار، يطلبون الماء ليبرد عنهم تلك الحرارة، قال تعالى: { { وَإِن يَسْتَغِيثُواْ يُغَاثُواْ بِمَآءٍ كَٱلْمُهْلِ يَشْوِي ٱلْوجُوهَ } [الكهف: 29]. وقوله: (وعن ابن عباس الخ) أي فيحمل على من مات مؤمناً وهو مصر على المعاصي، ونفذ فيه الوعيد، ويكون المراد من النار دار العذاب، وإن لم تكن دار خلود كجهنم لعصاة المؤمنين. قوله: { حَكِيمٌ } (في صنعه) أي يضع الشيء في محله. قوله: { عَليمٌ } (بخلقه) أي فيجازي كلاً من عمله.
قوله: { نُوَلِّي } أي نسلط ونؤمر. قوله: { بِمَا كَانُواْ يَكْسِبُون } الباء سببية، وما مصدرية، والمعنى كما متعنا الإنس والجن بعضهم ببعض، نسلط بعض الظالمين على بعض، بسبب كسبهم من المعاصي، فيؤخذ الظالم بالظالم، لما في الحديث
"ينتقم الله من الظالم بالظالم ثم ينتقم من كليهما ولما في الحديث أيضاً كما تكونوا يولي عليكم" ومن هذا المعنى قول الشاعر:

وما من يد إلا يد الله فوقها وما ظالم إلا سيبلى بظالم