التفاسير

< >
عرض

وَللَّهِ ٱلأَسْمَآءُ ٱلْحُسْنَىٰ فَٱدْعُوهُ بِهَا وَذَرُواْ ٱلَّذِينَ يُلْحِدُونَ فِيۤ أَسْمَآئِهِ سَيُجْزَوْنَ مَا كَانُواْ يَعْمَلُونَ
١٨٠
وَمِمَّنْ خَلَقْنَآ أُمَّةٌ يَهْدُونَ بِٱلْحَقِّ وَبِهِ يَعْدِلُونَ
١٨١
وَٱلَّذِينَ كَذَّبُواْ بِآيَٰتِنَا سَنَسْتَدْرِجُهُمْ مِّنْ حَيْثُ لاَ يَعْلَمُونَ
١٨٢
وَأُمْلِي لَهُمْ إِنَّ كَيْدِي مَتِينٌ
١٨٣
أَوَلَمْ يَتَفَكَّرُواْ مَا بِصَاحِبِهِمْ مِّن جِنَّةٍ إِنْ هُوَ إِلاَّ نَذِيرٌ مُّبِينٌ
١٨٤
-الأعراف

حاشية الصاوي

قوله: { وَللَّهِ ٱلأَسْمَآءُ ٱلْحُسْنَىٰ } ذكرت في أربعة مواضع من القرآن: هنا، وفي آخر الإسراء، وفي أول طه، وفي آخر الحشر. قوله: (الوارد بها الحديث) أي وقد ورد بطرق مختلفة منها قوله صلى الله عليه وسلم: "إن لله تسعة وتسعين اسماً، مائة غير واحد، إنه وتر يحب الوتر وما من عبد يدعو بها إلا وجبت له الجنة" ، ومنها: "إن لله تسعة وتسعين اسماً، من أحصاها دخل الجنة" ، ومنها: "إن لله مائة اسم غير اسم، من دعا بها استجاب الله له" وكلها مذكورة في الجامع الصغير عن علي وعن أبي هريرة. والأسماء جمع اسم، وهو اللفظ الدال على المسمى، إما على الذات فقط، أو على الذات والصفات، والأخبار بأنها تسع وتسعون ليس حصراً، وإنما ذلك إخبار عن دخول الجنة بإحصائها أو استجابة الدعاء بها، وإلا فأسماء الله كثيرة، قال بعضهم: إن لله ألف اسم، وقال بعضهم: إن أسماءه على عدد أنبيائه، فكل نبي يستمد من اسم، ونبينا يستمد من الجميع. قوله: (والحسنى مؤنث الأحسن) أي ككبرى وصغرى، مؤنث الأكبر والأصغر، وإنما كانت حسنى، لأن الدال يشرف بشرف مدلوله. قوله: (سموه) { بِهَا } أي وقت دعائكم وندائكم وأذكاركم.
قوله: { وَذَرُواْ } أمر للمكلفين. قوله: (من ألحد ولحد) أي رباعياً وثلاثياً، وهما قراءتان سبعيتان. قوله: (يميلون عن الحق) تفسير لكل من القراءتين، ومنه لحد الميت لأنه يمال بحفره إلى جنب القبر، بخلاف الضريح، فإنه الحفر في الوسط. قوله: (حيث اشتقوا) أي اقتطعوا، وهذا الإلحاد كفر، وطلق الإلحاد على التسمية بما لم يرد، وهو بهذا المعنى حرام، لأن أسماءه توقيفية، فيجوز أن يقال يا جواد، ولا يجوز أن يقال يا سخي، ويقال يا عالم دون عاقل، وحكيم دون طبيب، وهكذا. قوله: (جزاء) { مَا كَانُواْ يَعْمَلُونَ } أشار بذلك إلى أن الكلام على حذف مضاف، وقدر ليصح الكلام، إذ لا معنى لكونهم يجزون الذي كانوا يعملونه من الإلحاد، بل المراد جزاؤه. قوله: (وهذا قبل الأمر بالقتال) اسم الإشارة راجع لقوله: { وَذَرُواْ ٱلَّذِينَ يُلْحِدُونَ فِيۤ أَسْمَآئِهِ } فهذه الآية منسوخة بآية القتال.
قوله: { وَمِمَّنْ خَلَقْنَآ } الجار والمجرور خبر مقدم، و { أُمَّةٌ } مبتدأ مؤخر. قوله: { بِٱلْحَقِّ } الباء للملابسة أي يهدون الناس ويرشدونهم ملتبسين بالحق. قوله: { وَبِهِ يَعْدِلُونَ } أي بالحق يجعلون الأمور متعادلة مستوية، لا إفراط فيها ولا تفريط. قوله: (كما في الحديث) أي وهو قوله صلى الله عليه وسلم:
"لا تزال طائفة من أمتي على الحق إلى أن يأتي أمر الله" وعن معاوية وهو يخطب: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: "لا تزال طائفة من أمتي قائمة بأمر الله لا يضرهم من خذلهم ولا من خالفهم حتى يأتي أمر الله وهم على ذلك" ، وهذه الطائفة لا تختص بزمان دون زمان، ولا مكان دون مكان، بل هم في كل مكان وفي كل زمان، فالإسلام دائماً يعلون ولا يعلة عليه، وإن كثر الفساق وأهل الشر، فلا عبرة بهم، ولا صولة لهم، وفي هذا بشارة لهذه الأمة المحمدية، بأن الإسلام في علو وشرف، وأهله كذلك إلى قرب يوم القيامة، حتى تموت حملة القرآن والعلماء، وينزع القرآن من المصاحف، وتأتي الريح اللينة فيموت كل من كان فيه مثقال ذرة من الإيمان، ولا يكون هذا الأمر، إلا بعد وفاة عيسى عليه السلام.
قوله: { وَٱلَّذِينَ كَذَّبُواْ بِآيَٰتِنَا } مبتدأ خبره الجملة الاستقبالية بعده. قوله: { سَنَسْتَدْرِجُهُمْ } الاستدراج هو الاستصعاد درجة فدرجة، أو الاستنزال درجة بعد درجة. قوله: (نأخذهم قليلاً قليلاً) أي نمدهم بالعطايا شيئاً فشيئاً، وهم مقيمون على المعاصي، حتى ينتهي بهم الأمر إلى الهلاك، فهم يظنون أنهم في نعم، وهم في نقم، ولذا قيل: إذا رأيت الله أنعم على عبده وهو مقيم على معصيته، فاعلم أنه مستدرج له. قوله: { إِنَّ كَيْدِي مَتِينٌ } الكيد في الأصل المكر والخديعة، وذلك مستحيل على الله، بل المراد الاستدراج وكان شديداً، لأن ظاهره إحسان وباطنه خذلان.
قوله: { أَوَلَمْ يَتَفَكَّرُواْ } الهمزة داخلة على محذوف، والواو عاطفة على ذلك المحذوف، والتقدير أعموا ولم يتفكروا. قوله: { مَا بِصَاحِبِهِمْ مِّن جِنَّةٍ } سبب نزولها ما روي أنه صلى الله عليه وسلم صعد على الصفا فدعاهم فخذاً فخذاً، يا بني فلان، يحذرهم بأس الله، فقال بعضهم: إن صاحبكم لمجنون بات يهوت إلى الصباح، ومعنى يهوت يصوت، وإنما نسبوه إلى الجنون لمخالفته لهم في الأقوال والأفعال، فإنه كان موحداً مقبلاً على الله بكليته، معرضاً عن الدنيا وشهواتها، وهم ليسوا كذلك.