التفاسير

< >
عرض

لِلْفُقَرَآءِ ٱلَّذِينَ أُحصِرُواْ فِي سَبِيلِ ٱللَّهِ لاَ يَسْتَطِيعُونَ ضَرْباً فِي ٱلأَرْضِ يَحْسَبُهُمُ ٱلْجَاهِلُ أَغْنِيَآءَ مِنَ ٱلتَّعَفُّفِ تَعْرِفُهُم بِسِيمَاهُمْ لاَ يَسْأَلُونَ ٱلنَّاسَ إِلْحَافاً وَمَا تُنفِقُواْ مِنْ خَيْرٍ فَإِنَّ ٱللَّهَ بِهِ عَلِيمٌ
٢٧٣
-البقرة

حقائق التفسير

قوله تعالى: { لِلْفُقَرَآءِ ٱلَّذِينَ أُحصِرُواْ فِي سَبِيلِ ٱللَّهِ } [الآية: 273].
قال: هذه صفة الذين حبسوا أنفسهم على الله من غير تعريض ولا إظهار جزع إلا إلى الله، فاتقوا السؤال إلا منه، فارتقت بهم أحوالهم إلى حالةٍ يستغنون بعلم الله بهم عن السؤال إياه وهو أحوال الرضا.
سمعت الحسن بن يحيى يقول: سمعت جعفر بن محمد يقول: سمعت الجنيدرحمه الله يقول: وسُئل عن الفقير الصادق متى يكون مستوجبًا لدخول الجنة قبل الأغنياء بخمس مائة عام؟ قال: إذا كان الفقير معاملاً لله بقلبه موافقًا له فى جميع أحواله منعًا وعطاءً، يعد الفقر من الله نعمةً عليه، يخاف على زواله كما يخاف الغنى على زوال غناه وكان صابرًا محتسبًا مسرورًا باختيار الله له الفقر، صائنًا لدينه كاتمًا لفقره يظهر الإياس من الناس، مستغنيًا بربه فى فقره كما قال عز من قائل { لِلْفُقَرَآءِ ٱلَّذِينَ أُحصِرُواْ فِي سَبِيلِ ٱللَّهِ... } الآية، قال: إذا كان الفقير بهذه الصفة دخل الجنة قبل الأغنياء بخمسمائة عام، ويُكفى فى القيامة مؤنة الموقف.
وقيل فى قوله: { لِلْفُقَرَآءِ ٱلَّذِينَ أُحصِرُواْ فِي سَبِيلِ ٱللَّهِ } قال: الذين وقفوا مع الله بهممهم، فلم يرجعوا منه إلى غيره.
قوله تعالى: { لاَ يَسْتَطِيعُونَ ضَرْباً فِي ٱلأَرْضِ }.
لا يتحرّكون لطلب الأرزاق.
وقال محمد بن الفضل فى هذه الآية: تمنعهم علُومهم عن رفع حوائجهم إلى مولاهم.
قوله تعالى: { يَحْسَبُهُمُ ٱلْجَاهِلُ أَغْنِيَآءَ مِنَ ٱلتَّعَفُّفِ }.
قال ابن عطاء: يحسبهم الجاهلُ بحالهم أغنياء فى الظاهر، وهُم أشدُّ الناس افتقارًا إلى الله فى الظاهر واستغناءً به فى الباطن.
وقال أيضًا: سُموا جُهالاً لجهلهم بالفقر والغنا، ولتوهمهم أن الفقر قلة الشىء والغناء كثرتهُ، ولم يعلموا أن الفقر هو الفقر إلى الله والغناء هو الاستغناء به.
قوله تعالى: { تَعْرِفُهُم بِسِيمَاهُمْ }.
قال: بطيب قلوبهم وحسن حالهم وبشاشة وجوههم ونور أسرارهم وجولان أرواحهم فى ملكوت ربهم.
وقال النورى: تعرفهم بسيماهم، بفرحهم بفقرهم واستقامة أحوالهم عند موارد البلاء عليهم.
وقال أبو عثمان: تعرفهم بإيثار ما يملكون مع الحاجة إليه.
وقال المرتعش: سيماهم: غيرتهم على فقرهم وملازمتهم إياه.
قوله تعالى: { لاَ يَسْأَلُونَ ٱلنَّاسَ إِلْحَافاً }.
قال الجنيد رحمة الله عليه كلّت ألسنتهم عن سؤال من يملك الملك، فكيف من لا يملك!