التفاسير

< >
عرض

إِلاَّ مَنْ أَتَى ٱللَّهَ بِقَلْبٍ سَلِيمٍ
٨٩
-الشعراء

حقائق التفسير

قال ابن عطاءرحمه الله : قلبٌ خالٍ من الاشتغال بشىء سوى مولاه، سلم له الطريق اليه فلم يفرح على شىء سواه.
قال بعضهم: السليم فى لسان العرب اللديغ، واللديغ هو القلق المزعج فكأنه يقول: ثلاث لا يهدأ من الجزع والتضرع من مخالفة القطيعة.
قال الواسطىرحمه الله : سلم من سوء القضاء، وسئل الواسطى عن القلب السليم؟ فقال: سليم من الإعراض عن الله.
قال الجنيدرحمه الله : السليم الذى لا يكون فيه إلا حُبه.
قال بعضهم: السليم الذى قد سلم من آفات الدنيا، ومطابع العقبى، ولا يكون فيه الشغل بمولاه.
وقال الواسطىرحمه الله : قلب سليم فارغ من الآفات لم يتجرع الغصص التى فيها أولو العاهات.
قال ابن عطاءرحمه الله : الذى يلقى الله وليس له همة سواه.
قال بعضهم: السليم الذى يدخل الدنيا سالمًا من علامات الشقاء، ويعيش فى الدنيا سالمًا من ركوب الهوى، ويخرج من الدنيا سالمًا من سوء القضاء ويقوم بين يدى الله جل وعز سالمًا من نزول البلاء والله عنه راضٍ.
قال ابن عطاء: قلبٌ سليم أى: سليم من غير الله.
وقال أيضًا: السليم الذى لا يشوبه شىء من آفات الكون الفارغ من الهواجس والموارد.
قال الواسطىرحمه الله : ابتلى إبراهيم عليه السلام فى نفسه وأهله، وولده فلم يؤثر فيه شىء من ذلك لسلامة قلبه عن الأكوان وما فيها، فلم يؤثر عليه شىء لما سلمت حالته مع الحق هان عليه كل ما عداه.
وقال أيضًا: القلب السليم هو أن يلقى الله، وليس فيه مع الله شريك من كفر أو رياء أو غير ذلك، وهو الذى فنى عن الأشياء بالله ثم فنى عن الله بالله، وسئل بعضهم: بما تنال سلامة الصدر؟ قال: بالوقوف على حق اليقين وهو القرآن ثم حينئذٍ يعطى على اليقين وهو المعرفة، ثم يعطى بعده حق اليقين وهو المشاهدة، ثم يعطى بعدها عين اليقين، وهو الفناء عن الأحوال، والرسوم فيسلم لك صدرك وعلامته أن ترى العبد راضيًا فى جميع الأحوال ولا يتخلل قلبه خلاف على ربه بحال.
قال أبو عثمان: هو على أربع منازل: أولها: سلامة القلب من الشرك، الثانى: سلامة القلب من الأهواء المفعلة. الثالث: سلامة القلب من الرياء والعجب. والرابع: سلامة القلب من ذكر كل شىء سوى الله.
وقال أبو سعيد الخراز: فى قوله: { إِلاَّ مَنْ أَتَى ٱللَّهَ بِقَلْبٍ سَلِيمٍ } قال ليس فيه إلا الله، ومنه قول الخليل:
{ { وَٱجْعَلْنَا مُسْلِمَيْنِ } [البقرة: 128] وقول يوسف صلى الله عليه وسلم: { { تَوَفَّنِي مُسْلِماً } [يوسف: 101] والإسلام يجمع شيئين من أصل واحد، وهو إخلاص القلب بتوحيد الله واستكانة العبودية مع ملازمة موافقة الله.
قال القاسم: السليم الذى سلم من سوء القضاء.
وقيل الذى سلم من الكبائر، وقيل: الذى سلم من الشرك، وقيل: الذى سلم من بغض أصحاب النبى صلى الله عليه وسلم.
وقال سهل: الذى سلم من البدع.
وقال الشبلى: سليمًا من جميع ما فى الكون.
قال أبو بكر الوراق: القلب السليم الراضى لمجارى المقدور عليه فى المحبوب والمكروه.
سمعت عبد الله الرازى يقول: سئل سهل عن قوله تعالى: { إِلاَّ مَنْ أَتَى ٱللَّهَ بِقَلْبٍ سَلِيمٍ } قال: التفويض الى الله، والرضا بقضاء الله.
سمعت محمد بن عبد الله الرازى يقول: سمعت أبا بكر بن طاهر يقول: لكل نبى مع الله حالٌ ومقام، فمقام آدم الملامة، ومقام إبراهيم السلامة، ومقام محمد صلى الله عليه وسلم الاستقامة، فآدم لام نفسه فقال:
{ { رَبَّنَا ظَلَمْنَآ أَنفُسَنَا } [الأعراف: 23] فاستفاد العفو وإبراهيم { { جَآءَ رَبَّهُ بِقَلْبٍ سَلِيمٍ } [الصافات: 84] فاستفاد الخلة، ونبينا عليه السلام قيل له: { { فَٱسْتَقِمْ كَمَآ أُمِرْتَ } [هود: 112، الشورى: 15] فاستقام فاستفاد المحبة فأثنى عليه فقال: { { وَإِنَّكَ لَعَلَىٰ خُلُقٍ عَظِيمٍ } [القلم: 4] وأعظم الأخلاق خلق يستقيم على بساط القربة وحال المشاهدة.