التفاسير

< >
عرض

حَتَّىٰ إِذَا جَآءَ أَمْرُنَا وَفَارَ ٱلتَّنُّورُ قُلْنَا ٱحْمِلْ فِيهَا مِن كُلٍّ زَوْجَيْنِ ٱثْنَيْنِ وَأَهْلَكَ إِلاَّ مَن سَبَقَ عَلَيْهِ ٱلْقَوْلُ وَمَنْ آمَنَ وَمَآ آمَنَ مَعَهُ إِلاَّ قَلِيلٌ
٤٠
-هود

لطائف الإشارات

قوله جلّ ذكره: { حَتَّىٰ إِذَا جَآءَ أَمْرُنَا وَفَارَ ٱلتَّنُّورُ قُلْنَا ٱحْمِلْ فِيهَا مِن كُلٍّ زَوْجَيْنِ ٱثْنَيْنِ وَأَهْلَكَ }.
طال انتظارُهم لِمَا كان يَتَوَعَّدُهم به نوحٌ عليه السلام على وجه الاستبعاد، ولم يَزِدْهُم تطاولُ الأيامِ إلا كفراً؛ وصَمَّمُوا على عقد تكذيبهم.
ثم لمَّا أتاهم الموعودُ إياهم بغتةً، وظهر من الوضع الذي لم يُحِبُّوه فآرَ الماءُ من التنور المسجور، وجادت السماءُ بالمطر المعبور.
{ قُلْنَا ٱحْمِلْ فِيهَا مِن كُلٍّ زَوْجَيْنِ ٱثْنَيْنِ }: استبقاءً للتناسل.
ويقال: قد يؤْتَى الحَذِرُ من مَأْمَنِه؛ فإن إبليسَ جاء إلى نوح - عليه السلام -.
وقال: احْمِلني في السفينة فأَبَى نوحٌ عليه السلام، فقال له إبليس: أَمَا عَلِمْتَ أَني من المُنْظَرين إلى يوم معلومٍ، ولا مكانَ لي اليومَ إلا في سفينتك؟
فأوحى الله إلى نوح أن يَحْمِلَه معه.
ويقال لم يكن لابن نوحٍ معه مكان، وأُمِرَ بِحَمْل إبليس وهو أصعب الأعداء! وفي هذا إشارة إلى أن أسرار التقدير لا تجري على قياس الخَلْق؛ كأنه قيل له: يا نوح... ابنك لا تحمله، وعدوك فَأَدْخُلْه، فالله سبحانه فعَّالٌ لما يريد.
قوله جلّ ذكره: { إِلاَّ مَن سَبَقَ عَلَيْهِ ٱلْقَوْلُ وَمَنْ آمَنَ وَمَآ آمَنَ مَعَهُ إِلاَّ قَلِيلٌ }.
{ إِلاَّ مَن سَبَقَ عَلَيْهِ ٱلْقَوْلُ } بالشقاوة. وفيه تعريف بأن حُكْمَ الأَزَل لا يُرَدُّ، والحقُّ - سبحانه - لا يُنَازَعُ، والجبَّارُ لا يُخَاصَمُ، وأن مَنْ أقصاه ربُّه لم يُدْنِه تنبيهٌ ولا بِرٌّ ولا وَعْظ.
{ وَمَنْ آمَنَ وَمَآ آمَنَ مَعَهُ إِلاَّ قَلِيلٌ } ولكن بَارَكَ الحقُّ - سبحانه - في الذين نجَّاهم من نَسْلِه، ولم يدخل خَللٌ في الكونِ بعد هلاكِ مَنْ أَهْلَك مِنْ قومه.