التفاسير

< >
عرض

وَٱسْتَبَقَا ٱلْبَابَ وَقَدَّتْ قَمِيصَهُ مِن دُبُرٍ وَأَلْفَيَا سَيِّدَهَا لَدَى ٱلْبَابِ قَالَتْ مَا جَزَآءُ مَنْ أَرَادَ بِأَهْلِكَ سُوۤءًا إِلاَّ أَن يُسْجَنَ أَوْ عَذَابٌ أَلِيمٌ
٢٥
-يوسف

لطائف الإشارات

قوله جلّ ذكره: { وَٱسْتَبَقَا ٱلْبَابَ وَقَدَّتْ قَمِيصَهُ مِن دُبُرٍ وَأَلْفَيَا سَيِّدَهَا لَدَى ٱلْبَابِ }.
استبقا، هذا ليَهْرَبَ، وهذه للفعلة التي كانت تطلب.
ولم يضر يوسفَ - عليه السلام - أَنْ قَدَّتْ قميصه وهو لِبَاسُ دنياه بعد ما صحَّ عليه قميصُ تقواه.
ويقال لم تَقْصِدْ قَدَّ القميصِ وإنما تَعَلَّقَتْ به لتَحْبِسَه على نفسها، وكان قصدُها بقاءَ يوسف - عليه السلام - معها، ولكن صار فعلُها وَبالاً على نَفْسِها، فكان بلاؤها من حيث طَلَبَتْ راحتهَا وشفاءَها.
ويقال تولَّد انخراقُ القميصِ من قبضها عليه وكان في ذلك افتضاح أمرها؛ لأن قَبْضَها على قميصه كان مزجوراً عنه.. ليُعْلَمَ أنَّ الفاسِدَ شَجُّه فاسدٌ.
ويقال لشدة استيلاء الهوى عليها لم تعلم في الحالِ أنها تقدُّ قميصه من ورائه أو من قُدَّامِه.. كذلك صاحبُ البلاءِ في الهوى مسلوبُ التمييز.
ويقال لمّا لم تَصِلْ ولم تتمكن من مرادها من يوسف خَرَقَتْ قميصَه ليكونَ لها في إلقائها الذَّنْبَ على يوسف - عليه السلام - حُجَّةٌ، فَقَلَبَ اللَّهُ الأمرَ حتى صار ذلك عليها حجة، وليوسف دلالة صدق، قال تعالى:
{ وَلاَ يَحِيقُ ٱلْمَكْرُ ٱلسَّيِّىءُ إِلاَّ بِأَهْلِهِ } [فاطر: 43].
قوله تعالى: { وَأَلْفَيَا سَيِّدَهَا لَدَى ٱلْبَابِ }: لمَّا فَتَحَا البابَ وجدا سيدها لدى الباب، والإشارة فيه إلى أن ربك بالمرصاد؛ إذا خَرَجَ العبدُ عن الذي هو عليه من التكليف في الحال وقع في ضِيق السؤال.
ويقال قال: { وَأَلْفَيَا سَيِّدَهَا } ولم يقل سيدهما لأن يوسف في الحقيقة كان حراً ولم يكن العزيزُ له سيداً.
قوله جلّ ذكره: { قَالَتْ مَا جَزَآءُ مَنْ أَرَادَ بِأَهْلِكَ سُوۤءًا إِلاَّ أَن يُسْجَنَ أَوْ عَذَابٌ أَلِيمٌ }.
شَغَلَتْهُ بإغرائها إياه بيوسف عن نَفْسِها بأن سَبَقَتْ إلى هذا الكلام.
ويقال لقنته حديث السجن أو العذاب الأليم لئلا يقصد قتلَه؛ ففي عين ما سَعَتْ به نظرت له وأَبْقتْ عليه.
ويقال قالت ما جزاء من فعل هذا إلا السجن فإن لم ترضَ بذلك، وستزيد؛ فالعذاب الأليم يعني الضّرب المُبَرِّح..كأنما ذكرت حديث العقوبة بالتدريج.
ويقال أوقعت السجن الذي يبقى مؤجَّلاً في مقابلة الضرب الأليم المعجل ليُعْلَم أَنّ السجنَ الطويل - وإنْ لم يكن فيه في الظاهر ألم - فهو في مقابلة الضرب الشديد الموجِع؛ لأنه - وإنْ اشتدّ فلا يقابله.
ويقال قالت: { مَا جَزَآءُ مَنْ أَرَادَ بِأَهْلِكَ سُوۤءًا } فذِكْرُ الأهل ها هنا غايةُ تهييج الحميّة وتذكيرُ بالأَنَفَةِ.