قوله جلّ ذكره: { ذٰلِكَ لِيَعْلَمَ أَنِّي لَمْ أَخُنْهُ بِٱلْغَيْبِ وَأَنَّ ٱللَّهَ لاَ يَهْدِي كَيْدَ ٱلْخَائِنِينَ }.
إنما أراد اللَّهُ أن يُظْهِرَ براءةَ ساحةِ يوسف، لأنه علم أنهم يستحقون العقوبة على ما يبسطون فيه من لسان الملامة وذكر القبيح، ولم يُرِدْ يوسف أن يصيبَهم بسببه - من قِبلِ اللَّهِ - عذابٌ شَفَقَةً منه عليهم، وهذه صفةُ الأولياءِ: أن يكونوا خَصْمَ أَنْفسِهم، ولهذا قيل: الصوفي دمه هَدرٌ ومِلْكُه مُبَاحُ - ولذلك قال:
{ وَمَآ أُبَرِّىءُ نَفْسِيۤ إِنَّ ٱلنَّفْسَ لأَمَّارَةٌ بِٱلسُّوۤءِ إِلاَّ مَا رَحِمَ رَبِّيۤ إِنَّ رَبِّي غَفُورٌ رَّحِيمٌ }.
لمَّا تمدَّح بقوله: { ذٰلِكَ لِيَعْلَمَ أَنِّي لَمْ أَخُنْهُ بِٱلْغَيْبِ } كأنه نودي في سِرِّه: ولا حين همَمْتَ؟ فقال::{ وَمَآ أُبَرِّىءُ نَفْسِيۤ }.
ويقال: قوله: { لِيَعْلَمَ أَنِّي لَمْ أَخُنْهُ بِٱلْغَيْبِ } بيانُ الشكر على ما عصمه الله، وقوله: { وَمَآ أُبَرِّىءُ نَفْسِيۤ } بيانُ العُذْرِ لما قصَّر في أمر الله، فاستوجب شكرُه زيادةَ الإحسان، واستحقَّ بعذره العفوَ.
والعفو بادٍ من قوله:
{ وَقَالَ ٱلْمَلِكُ ٱئْتُونِي بِهِ أَسْتَخْلِصْهُ لِنَفْسِي فَلَمَّا كَلَّمَهُ قَالَ إِنَّكَ ٱلْيَوْمَ لَدَيْنَا مَكِينٌ أَمِينٌ }.
لما اتضحت للملِك طهارةُ فِعْلِه ونزاهةُ حالِه استحضره لاستصفائه لنفسه، فلمَّا كَلَّمَه وسَمِعَ بيانَه رَفَعَ مَحلَّه ومكانه، وضمنه بِرَّه وإحسانَه، فقال: { إِنَّكَ ٱلْيَوْمَ لَدَيْنَا مَكِينٌ أَمِينٌ }.