التفاسير

< >
عرض

فَأَكَلاَ مِنْهَا فَبَدَتْ لَهُمَا سَوْءَاتُهُمَا وَطَفِقَا يَخْصِفَانِ عَلَيْهِمَا مِن وَرَقِ ٱلْجَنَّةِ وَعَصَىٰ ءَادَمُ رَبَّهُ فَغَوَىٰ
١٢١
-طه

لطائف الإشارات

قوله جلّ ذكره: { فَأَكَلاَ مِنْهَا فَبَدَتْ لَهُمَا سَوْءَاتُهُمَا }.
لمَّا ارتكبا المنهيَّ عنه ظهر ما يُسْتَحْيَي مِنْ ظهوره، ولكنَّ اللَّهَ - سبحانه - أَلْطَفَ معهما في هذه الحالة بقوله: فَبَدَتْ لهما سوآتهما، ولم يَقُلْ - مُطْلَقاً - فبدت سَوْءَتُهما؛ أي أنه لم يُطْلِع على سوءتهما غيرَهما.
ويقال لَمَّا تجرَّدَا عن لِباس التقوى تناثر عنهما لباسهما الظاهر.
قوله جلّ ذكره: { وَطَفِقَا يَخْصِفَانِ عَلَيْهِمَا مِن وَرَقِ ٱلْجَنَّةِ }.
أولُ الحِرَفِ والصناعات - على مقتضى هذا - الخياطةُ، وخياطةُ الرِّقاع بعضها على بعض للفقراء ميراثٌ من أبينا آدم - عليه السلام.
ويقال كان آدمُ - عليه السلام - قد أصبح وعليه من حُلَلِ الجنة وفنونِ اللِّباس ما اللَّهُ به أعلمُ، ثم لم يُمس حتى كان يخصف على نفسه من ورق الجنة، وهكذا كان في الابتداء ما هو موروثٌ في أولاده من هناء بعده بلاء.
قوله تعالى:
{ وَنَادَاهُمَا رَبُّهُمَآ أَلَمْ أَنْهَكُمَا عَن تِلْكُمَا ٱلشَّجَرَةِ } [الأعراف: 22] عند ذلك وقعت عليهما الخَجْلَةُ لمَّا وَرَدَ عليهما خطاب الحقِّ: { أَلَمْ أَنْهَكُمَا عَن } [الأعراف: 22] ولهذا قيل: كفى للمُقَصِّر الحياء يو اللقاء.
قوله تعالى:
{ قَالاَ رَبَّنَا ظَلَمْنَآ أَنفُسَنَا... } [الأعراف: 23] لم يتكلما بلسان الحجة فقالا: { رَبَّنَا ظَلَمْنَآ أَنفُسَنَا } [الأعراف: 23]، ولم يقولا: بظلمنا صرنا من الخاسرين، بل قالا: { وَإِن لَّمْ تَغْفِرْ لَنَا وَتَرْحَمْنَا لَنَكُونَنَّ مِنَ ٱلْخَاسِرِينَ } [الأعراف: 23] ليُعْلَم أَنَّ المدارَ على حُكْم الربِّ لا على جُرْمِ الخَلْق.
قوله جلّ ذكره: { وَعَصَىٰ ءَادَمُ رَبَّهُ فَغَوَىٰ }.
لَمَّا وَقَعَتْ عليه سِمَةُ العصيان - وهو أَوَّلُ البشرِ - كان في ذكر هذا تنفيسٌ لأولاده؛ أن تجري عليهم زَلَّةٌ وهم بوصف الغيبة في حين الفترة.
ويقال كانت تلك الأكلةُ شيئاً واحداً، ولكن قصتها يحفظها ويرددها الصبيانُ إلى يوم القيامة.
وعصى آدم ربَّه ليُعْلَم أن عِظَمَ الذنوبِ لمخالفةِ الآمِرِ وعِظَمِ قَدْرِه.. لا لكثرة المخالفة في نفسها.