التفاسير

< >
عرض

أَلَمْ تَرَ إِلَىٰ رَبِّكَ كَيْفَ مَدَّ ٱلظِّلَّ وَلَوْ شَآءَ لَجَعَلَهُ سَاكِناً ثُمَّ جَعَلْنَا ٱلشَّمْسَ عَلَيْهِ دَلِيلاً
٤٥
ثُمَّ قَبَضْنَاهُ إِلَيْنَا قَبْضاً يَسِيراً
٤٦
-الفرقان

لطائف الإشارات

قيل نَزَلَ الرسول - صلى الله عليه وسلم - في بعض أسفاره وقت القيلولة في ظل شجرة وكانوا خَلْقاً كثيراً فَمَدَّ اللَّهُ ظِلَّ تلك الشجرة حتى وسع جميعَهم وكانوا كثيرين، فأنزل الله هذه الآية، وكان ذلك من جملة معجزاته عليه السلام.
وقيل إن الله في ابتداء النهار قبل طلوع الشمس يجعل الأرضَ كلَّها ظلاً، ثم إذا طلعت الشمسُ، وانبسط على وجه الأرض شعاعُها فكلُّ شخصٍ يُبْسَطُ له ظِلٌّ، ولا يُصيب ذلك الموضعَ شعاعُ الشمس، ثم يتناقص إلى وقت الزوال، ثم يأخذ في الزيادة وقت الزوال. وذلك من أماراتِ قدرة الله تعالى؛ لأنه أجرى العادة بخلق الظلِّ والضوء والفيء.
قوله: { وَلَوْ شَآءَ لَجَعَلَهُ سَاكِناً }: أي دائماً: { ثُمَّ قَبَضْنَاهُ إِلَيْنَا قَبْضاً يَسِيراً }؛ أي حال ارتفاعِ الشْمسِ ونُقصانِ الظِّلِّ.
ويقال: ألم تر إلى ربك كيف مدَّ ظل العناية على أحوال أوليائه؛ فقومٌ هم في ظل الحماية، وآخرون في ظل الرعاية، وآخرون في ظل العناية، والفقراء في ظل الكفاية، والأغنياء في ظل الراحة من الشكاية.
ظلٌ هو ظل العصمة، وظل هو ظل الرحمة؛ فالعصمة للأنبياء عليهم السلام ثم للأولياء، والرحمة للمؤمنين، ثم في الدنيا لكافة الخلائق أجمعين. ويقال قوله للنبي صلى الله عليه وسلم: { أَلَمْ تَرَ إِلَىٰ رَبِّكَ } ثم قوله: { كَيْفَ مَدَّ ٱلظِّلَّ } ستراً لما كان كاشفه به أولاً، إجراءً للسُّنَّةِ في إخفاء الحال عن الرقيب. قال لموسى عليه السلام:
{ لَن تَرَانِي } [الأعراف: 143] وقال لنبينا عليه السلام: { أَلَمْ تَرَ إِلَىٰ رَبِّكَ } وشتان ماهما!
ويقال أحيا قلبه بقوله: { أَلَمْ تَرَ إِلَىٰ رَبِّكَ } إلى أن قال: { كَيْفَ مَدَّ ٱلظِّلَّ } فجعل استقلاله بقوله: { أَلَمْ تَرَ إِلَىٰ رَبِّكَ } إلى أن سمع ذكر الظل. ويقال أحياه بقوله: { أَلَمْ تَرَ إِلَىٰ رَبِّكَ } ثم أفناه بقوله: { كَيْفَ مَدَّ ٱلظِّلَّ } وكذا سُنَّتُه مع عباده؛ يُردِّدُهم بين إِفناءٍ وإبقاء.