التفاسير

< >
عرض

نَحْنُ نَقُصُّ عَلَيْكَ أَحْسَنَ ٱلْقَصَصِ بِمَآ أَوْحَيْنَآ إِلَيْكَ هَـٰذَا ٱلْقُرْآنَ وَإِن كُنتَ مِن قَبْلِهِ لَمِنَ ٱلْغَافِلِينَ
٣
إِذْ قَالَ يُوسُفُ لأَبِيهِ يٰأَبتِ إِنِّي رَأَيْتُ أَحَدَ عَشَرَ كَوْكَباً وَٱلشَّمْسَ وَٱلْقَمَرَ رَأَيْتُهُمْ لِي سَاجِدِينَ
٤
قَالَ يٰبُنَيَّ لاَ تَقْصُصْ رُؤْيَاكَ عَلَىٰ إِخْوَتِكَ فَيَكِيدُواْ لَكَ كَيْداً إِنَّ ٱلشَّيْطَانَ لِلإِنْسَانِ عَدُوٌّ مُّبِينٌ
٥
وَكَذٰلِكَ يَجْتَبِيكَ رَبُّكَ وَيُعَلِّمُكَ مِن تَأْوِيلِ ٱلأَحَادِيثِ وَيُتِمُّ نِعْمَتَهُ عَلَيْكَ وَعَلَىٰ ءَالِ يَعْقُوبَ كَمَآ أَتَمَّهَآ عَلَىٰ أَبَوَيْكَ مِن قَبْلُ إِبْرَاهِيمَ وَإِسْحَاقَ إِنَّ رَبَّكَ عَلِيمٌ حَكِيمٌ
٦
لَّقَدْ كَانَ فِي يُوسُفَ وَإِخْوَتِهِ آيَاتٌ لِّلسَّائِلِينَ
٧
-يوسف

عرائس البيان في حقائق القرآن

قوله تعالى { نَحْنُ نَقُصُّ عَلَيْكَ أَحْسَنَ ٱلْقَصَصِ بِمَآ أَوْحَيْنَآ إِلَيْكَ } ان الله سبحانه لما اراد ان يوقع عنقاء همته العاب قوسيبنية الى شبكة عشق زينب وسقاها من مشارب سواقى الالتباس زلال بحر تجلى صفة الجمال باقداح الافعال راى قدس همته عن علل الانسانية فى ذلك وغيرته على معهد مشاهدة الازل تسلى قلبه بهذه القصبة التى هى مطية رواحل اسرار العاشقين والوامقين وهو تعالى بجوده واختياره له سيادة الكونين ورسالة العالمين براسيه لئلا يضيق صدقه فى محل الامتحان لان امتحان بالعشق الانسانى مراقى مشاهدة جمال الزال والاباد ليسير فى ميادين القدم والابد بمواكب العشق فان بالعشق بلغوا الى العشق وحسن القصة بيان عشق الانسانى فى مراتب الارواح العاشقة وطيرانها من هذه المقامة الى عشق الالوهية ومشاهدة الازلية بين تعالى ان قصة العاشق والمعشوق احسن القصص لما فيا من الامثال والعبر والذوق و الشوق والفراق والوصاف والبلاء والعناء وشان يوسف عليه السلام كله عشق به ابوه وهكذا كل من راه لان حسن جمال القديم البس وجهه وكان مرآة الله فى بلاد الله تجلى الحق منها للعباد وكيف لا يكون احسن والمستحسن ومن كمال حسنها انه تعالى اخرجها من تحت التكليف ولم يذكر فى قصة العاشق والمعشوق الامر والنهى كانها خير الوصال واثر الجمال ومثل لعشاقه معه وله المثل الاعلى وهو العزيز الحكيم قال بعضهم اعجب القصص وفيه تعزية وسلوة للنبي صلى الله عليه وسلم لما لقى من اهل بيته ان يوسف لقى من اخوانه اكثر مما لقى هو من اهل بيته فلم يخرج عليهم بنفسه منتقما بل راى ذلك كله من موارد القضاء ومواجب القدر فلما رجعوا اليه قال لا تثريب عليكم كيف يكون عليكم فيه غيب وكنتم الجبورين عليه وكبت المقصود به من حيث القضاء والقدر قال على بن موسى الرضا عن ابيه عن جعفر قال اشتغل العوام لسماع القصص واشتغل الخواص بالاعتبار فيه لقوله لقد كان فى قصصهم عبرة لاولى الالباب وقال بعضهم هذا يدل على صدق احوال المؤمنين ومعانى صفة المتقين والى حقائق محبة المحبين وصفاء سر العارفين === على حسن عواقب الصابرين وحثا على سلوك الصادقين وبعثا على سبيل المتوكلين والاقتداء بزهد الزاهدين ودلالة على الانقطاع الى الله والاعتماد عليه عند نزول الشدائد وكشفا عن احوال الخائبين وقبح طريق الكاذبين وابتلاء الخواص بانواع المحن والفتن وكشف تلك المحن وعواقبها عن الاعزاز والاكرام وتبديل تلك الشدة بالراحة والبوس بالنعمت والعبودية بالملك وفيه ما يدل على سياسة الملوك فى مماليكهم وحفظ رعاياتهم وغير ذلك وقال الاستاد احسن القصص لانا نحن نقص عليك احسن القصص لخلوه عن الامر والنهى الذى سماعه يوجب اشغال القلب وقيل احسن القصص لانه غير مخلوق وقيل لا فيها ذكر الحبيب والمحبوب ولما كان يوسف بتلك المثابة التى ذكرتها وانه كان مرآة حسن الحق وان حسنه تاثير معادن حسن الازل يخضع له الحدثان لما عليه من كسوة جمال الرحمن اخبر عن رؤياه وما راى فيها بقوله { إِذْ قَالَ يُوسُفُ لأَبِيهِ يٰأَبتِ إِنِّي رَأَيْتُ أَحَدَ عَشَرَ كَوْكَباً وَٱلشَّمْسَ وَٱلْقَمَرَ رَأَيْتُهُمْ لِي سَاجِدِينَ } جمع الله فى اسم يوسف اربعة حرف الياء والواو والسين والفاء الياء يسار ملكه والواو وضاحة وجهه والسين اطلاعه على اسرار الغيب بحسن تاويل الرؤيا والمكاشفات والفاء وفاءه فى عهد الرسالة فاذا اجتمعت هذه الاوصاف فى يوسف سمى يوسف وايضا كان فيه خالص العبودية والحزن فى شوقه الى جمال الربوبية قال بعضهم سمى يوسف يوسف لانه الاسيف === وتعبد يوسف ويقال لحزنه والاسف الحزن جئنا الى معنى رؤياه رؤياه اول مقام المكاشفة كان احوال المكاشفين او ايلها المنامات فاذا قوى الحال يصير الرؤيا كشفا وبين الرؤيا والمكاشفات مقامات ذكرتها فى الكتاب المكاشفة وافهم رزقك الله فهم معانى المكاشفات ان الله سبحانه مثل عالم الملكوت وما فيها مع اسرار الجبروت بنيرات الكواكب والشموس والاقمار وايضا مثل بها احكام اكابر الانبياء والاولياء فالشمس مثل الذات والقمر مثل الصفات والكواكب مثل الاوصاف والنعوت والاسماء وليس غرضى ههنا بيان اشكال المكاشفات برقتها لكن اقول بعون الله وتائيده نبذة مما كوشف ليوسف عليه السلام كان يوسف ادم الثانى لان عليه كان من كسوة الربوبية ما كان على ادم فرات الملائكة على ادم ما رات فسجدوا له كلهم وههنا سجد له اشراف الانبياء وهم خير من الملائكة وكيف لا يسجدون لهما ومن وجهها يتلالأ انوار القدوسية وجلال السبوحية
ويسمعون كما سمعت حديثها خروا لعزة ركعا وسجدا
وفيه بشارة لطيفة ان الخليل عليه السلام راى ذلك المعنى من جبين الشمس وعارض القمر ونو رالكواكب فقال هذا ربى وهذا عذر الملائكة والانبياء فى سجودهم لآدم ويوسف لان هناك يتجلى الحق سبحانه من اجرام الفلك التى معادنها الافعال وههنا يتجلى الحق منها وهما من خصائص تجلى الصفات صادران الا ترى الى قوله تعالى وخلقت بيدى ونفخت فيه من روحى البس انوار الهيبة على اجرام الفلك فهاج االيها سرايرهم كما البس على طور انوار الهيبة فهيج الله سر موسى اليها والبس انوار الجمال آدم ويوسف فهاج اليهما اسرار الملائكة والانبياء فيا ليت لو راى الخليل يوسف وادم لراى فيها اكثر مما راى فى اجرام الفلك

خليلى وعد احسن الناس كلهم ويحسدها من حسن شمس والبدر

ويا ليت الجميع لو راوا جمال سيد الانبياء والمرسلين صلوات الله عليه لهاموا فى البوادى والقفار وغرقوا فى الغيافى والبحار ويطير الملائكة من السما ءلان نوره انور وشمسه ازهر وبدره اشرق نوره كان من معادن جمال القدم وسراجه اسرج من سمة الكوم وفيه نكتة عجيبة من حقائق التوحيد ان مشار الخليل ما قال هذا ربى سجدت لبعض نبيه بيانا لتنزيه جلال الكبرياء وتنزيه ساحة العزة والبقاء عن الاضداد والانداد راى الخليل هذا المعنى بنور النبوة فقال انى برئ مما تشركون وفيه ادب المريدان المكاشفة يذكر عند استاده ليفرق بين الكشف والخيال قال بعضهم اعجبه حسن رؤياه حتى قصه على ابيه فكانه فيه اول بلية ومحنة الى ان بلغ الى تحقيق ما راى فلما راى يعقوب اسرار الرويا وتاويلها خاف على ابنه قَالَ { يٰبُنَيَّ لاَ تَقْصُصْ رُؤْيَاكَ عَلَىٰ إِخْوَتِكَ } وهكذا شان اهل قصة المعرفة لا يجوز للمريد ان === سر المكاشفة الا عند استاده والا نفع فى بحر الحجاب ومحن الدعاوى ويكون مرتهنا بعيون الغيرة كان يعقوب فى ذلك الوقت فى رؤية العلم من رؤية اما جرى فى الازل فدبر وقاية ابنه بحسن التدبير وفتح من صورة التدبير الى عين التقدير قال بعضهم ان يعقوب دبر ليوسف فى ذلك الوقت خوفا عليه ان يقع من اخوته فى شئ فوكل الى تدبيره ووقع به ما وقع ولو ترك التدبير ورجع الى التسليم لحفظ ولما قال ان ياكله الذئب وقال لا تقصص رؤياك اراه الله فيه ما كان يخافه عليه لذلك قيل ان التفويض والتسليم خير من ملازمة التدبير ولما وصاه وقال لا تقصص الرؤيا عرفه اختصاصه فى الرسالة والنبوة والحسن والجمال والخَلق والخُلق بقوله { وَكَذٰلِكَ يَجْتَبِيكَ رَبُّكَ وَيُعَلِّمُكَ مِن تَأْوِيلِ ٱلأَحَادِيثِ } اجتباه بان كساه من نوره نور الجمال ورباه بمفرح الكمال ورزقه الرسالة والكشف وعلوم المدينة الالفية التى قال ويعلمك من تاويل الاحاديث وتمام نعمته عليه ان بلغ الى مقام التمكين ورؤية التحقيق وفاز من التلوين وذاق طعم الاستقامة وبلغ اشده الى ما بلغ الذبيح والخليل وخروجه من درك امتحان العشق بنعت القدس والطيارة كما كان وصف الانبياء والصديقين قال ابن هند اجتباؤه ما منحه به من حسن الخلق ولطيف الصحبة مع اوليائه واعدائه وترك الانتقام لنفسه مجال وقال بعضهم اجتباك ربك فصرف عنك كيدهن ولولا اجتباه لورد عليك منهن ما ورد وقال يحيى بن معاذ من تمام نعمت الله على يوسف ان جعله منعما على اخوانه واضطرهم الى الخضوع له والتذلل بين يديه بقوله وان كنا بخاطئين وقال سهل ويتم نعمته عليك بتصديق الرؤيا الذى رايته لك وقال بعضهم ويتم نعمته عليك فى ان عصمك عن ارتكاب ما لا يليق بك ولآبائك وقال الاستاد من اتمام النعمة توفيق الشكر على النعمة ومن اتمام النعمة ان يصونك عن شهود النعمة برؤية المنعم فلما اعظم شان يوسف فى حسنه وجماله وقدسه وطهارته وظلافته مع اخوانه فى احتمال البلاء منهم وترك الانتقام منهم لنفسه عظم الله ذلك وقال { لَّقَدْ كَانَ فِي يُوسُفَ وَإِخْوَتِهِ آيَاتٌ لِّلسَّائِلِينَ } آيات يوسف سواطع نور الحق من وجهه وظهور علوم الغيب فى قلبه ومعرفته بذات الله وصفاته وكريم الاية ونعمائه ولطيف افعاله وصنايعه وما وضع الله فى النفس الامارة من عظيم قهر شهواتها واستيلاء هوانها وفترتها ودقائق خدعتها ولطيفة ما بينها وبين طبائع الشياطين وحسن عاقبته وبلوغه الى محل التمكين وما بدأ من اخوته من الغيرة والفرقة وهذه البراهين تذكرة وتبصرة للمريدين والمحبين والفارقين قال حمدون القصار للخلق فى يوسف آيات وله فى نفسه آية وهو اعظم الآيات وهو معرفته بمكر النفس وغدرها قال ان النفس لامارة بالسوء وقال بعضهم ان من الايات التى فى يوسف امه حجة على كل من حسن الله خلقه ان لا يدنسه بمعصية وقال ابن عطا اياته ان لا يسمع قسته محزون الا استراح اليه واخرج منه ما فيه راحة لما هو فيه.