التفاسير

< >
عرض

يٰأَيُّهَا ٱلَّذِينَ آمَنُواْ ٱرْكَعُواْ وَٱسْجُدُواْ وَاعْبُدُواْ رَبَّكُمْ وَٱفْعَلُواْ ٱلْخَيْرَ لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ
٧٧
وَجَاهِدُوا فِي ٱللَّهِ حَقَّ جِهَادِهِ هُوَ ٱجْتَبَاكُمْ وَمَا جَعَلَ عَلَيْكُمْ فِي ٱلدِّينِ مِنْ حَرَجٍ مِّلَّةَ أَبِيكُمْ إِبْرَاهِيمَ هُوَ سَمَّاكُمُ ٱلْمُسْلِمِينَ مِن قَبْلُ وَفِي هَـٰذَا لِيَكُونَ ٱلرَّسُولُ شَهِيداً عَلَيْكُمْ وَتَكُونُواْ شُهَدَآءَ عَلَى ٱلنَّاسِ فَأَقِيمُواْ ٱلصَّلاَةَ وَآتُواْ ٱلزَّكَـاةَ وَٱعْتَصِمُواْ بِٱللَّهِ هُوَ مَوْلاَكُمْ فَنِعْمَ ٱلْمَوْلَىٰ وَنِعْمَ ٱلنَّصِيرُ
٧٨
-الحج

عرائس البيان في حقائق القرآن

قوله تعالى { يٰأَيُّهَا ٱلَّذِينَ آمَنُواْ ٱرْكَعُواْ وَٱسْجُدُواْ وَاعْبُدُواْ رَبَّكُمْ } هذا خبر عن مقام المكاشفة فى المراقبة الا اذا شاهدتم مشاهدة الكبرياء اركعوا اذا شاهدتم مشاهدة العظمة اسجدوا واذا شاهدتم جمال ربوبيته افنوا فى العبودية { وَٱفْعَلُواْ ٱلْخَيْرَ } تخيرون عن هذه المقامات طلاب معرفتى { لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ } بى عنى وتظفرون بعد فنائكم فى بقائكم مع بقائى قال ابن عطا اركعوا واسجدوا او اخضعوا وانقادوا الاوامر وسلموا القضائية وقدرة تكونوا من خالص عباده وافعلوا الخير ابتغاء الوسيلة لعلكم تفلحون اى لعلكم تجدون الطريق اليه ثم امرهم بخوالجها لوجدان حقيقة المعاد والرجوع الى المراد لان ما امرهم بالركوع والسجود على مقادير العبودية وطلب حق الربوبية فى العبودية منهم بقوله { وَجَاهِدُوا فِي ٱللَّهِ حَقَّ جِهَادِهِ } لا تنظر ان هذا الامر امر مستحيل من حيث عجز الخلق عن درك ادراك حقيقة انما اراد بهذا الامر فناء الخليقة فى الحقيقة وهذا ممكن خاصة انه اخبر تعالى انهم بذلك مصطفون بقوله { هُوَ ٱجْتَبَاكُمْ } اى هو اجتباكم بالفناء فى بقائه حين ينكشف انوار شوس القدم لاهل العدم جاهدوا فى الله اى افتوا فى الله حق الفناء بحيث لا ترون فنائكم فى بقائه بل ترون وجوده بوجوده لا بوجودكم لان هذه الاجتبائية الازلية يقتصر لكم مشاهدته ومشاهدته يقتضى لكم فناءكم فيه ثم بين ان فى هذا الطريق المبارك والدين الشريف لم يكن حرج وتكليف ما لا يطاق بقوله { وَمَا جَعَلَ عَلَيْكُمْ فِي ٱلدِّينِ مِنْ حَرَجٍ } اى اذا شاهدتم مشاهدة جمال سهل عليكم فناءكم فى جلالى ان من عاينى عشقنى وطاب عيشه معى وسهل عليه بذل مهجته الا لان هذا مقام عاشقين ----- المحبين مثل الخليل والحبيب والكليم الا ترى كيف قال { مِّلَّةَ أَبِيكُمْ إِبْرَاهِيمَ } ملة ابيكم العشق والمحبة والخلة والاستسلام والانقياد وبذلك الوجود بنعت السخاء والكرم يا اسباط خليلى راى ابوكم استعداد هذه المراتب الشريفة فيكم قبل وجودكم بنور النبوة بقوله { هُوَ سَمَّاكُمُ ٱلْمُسْلِمِينَ مِن قَبْلُ } سماكم منقادين وبين يدى عرافين بوحدانيتى وفيما ذكرنا من اوصافكم حبيبى شاهد عليكم عندى يعرف هذه الفضائل منكم وهو بلغكم نشر فضايلى عليكم قوله تعالى { وَتَكُونُواْ شُهَدَآءَ عَلَى ٱلنَّاسِ } فانكم تعرفونهم فيما هم فيه وان رسلهم قد بلغهم رسالاتى التى سبب نجاتهم ثم أمرهم باقامة الصلاة وايتاء الزكاة شكر النعمة وحمد الافضال اى اطلب فى مقام مناجاتكم فى الصلاة وادخلوا بمهمتكم فيها فانها حصتى وكونوا بنعت التجريد عن الدنيا ما فيها فى بذل أنفسكم الىّ وفى هذه المعاملات الشريفة اطلبوا الاعتصام منى استعينوا بى لاقويكم فى طاعتى { وَٱعْتَصِمُواْ بِٱللَّهِ هُوَ مَوْلاَكُمْ } حبيبكم ناصركم فى الازل { فَنِعْمَ ٱلْمَوْلَىٰ } حيث لا مولى غيره { وَنِعْمَ ٱلنَّصِيرُ } يحث لا يخذل من نصره بان نصره عزيز ممتنع من نقائص النقص قال جعفر حق المجاهدة على القلب فان النفس لا تقوم بحق المجاهدة ان لا يختار عليه شيئا كما لم يخيّر عليكم بقوله هو اجتباكم قال بعضهم المجاهدة على ضروب مجاهدة مع اعداء الله ومجاهدة مع الشياطين و اشدها المجاهدة مع النفس هو الجهاد فى الله وهو الذروى عن النبى صلى الله عليه وسلم رجعتم من الجهاد والاصغر الى الجهاد الاكبر وهو مجاهدة النفس وحملها على اتباع ما امر به واجتناب ما نهى عنه وقال ابن عطا الاجتبائية اورثت المجاهدة لا المجاهدة اورثت الاجتبائية وقال ايضا ملة ابراهيم هو السخا والبذل والاخلاق والخروج من النفس والاهل والمال والولد قال ايضا فى قوله هو سماكم المسلمين زينكم بزينة الخواص قبل ان اوجدكم لانكم فى القدرة عند الايجاد كما كنتم قبل الايجاد سبق لكم من الله الخصوصية فى ازله وقال النورى الاعتصام بالله للخواص والاعتصام بحبل الله للعوام والاعتصام بحبل الله هو التمسك بالاوامر على السنن والاعتصام بالله هو حفظ القلب والسر عما يفعل عنه والاشتغال بمراقبته والاقبال عليه قال الله اعتصموا بالله هو مولاكم اى هو الذى يغنيكم به ان اقبلتم على الاعتصام وقال جعفر نعم المبين لمن استعان ونعم النصير لمن استنصره.