التفاسير

< >
عرض

فَلَمَّا قَضَىٰ مُوسَى ٱلأَجَلَ وَسَارَ بِأَهْلِهِ آنَسَ مِن جَانِبِ ٱلطُّورِ نَاراً قَالَ لأَهْلِهِ ٱمْكُثُوۤاْ إِنِّيۤ آنَسْتُ نَاراً لَّعَلِّيۤ آتِيكُمْ مِّنْهَا بِخَبَرٍ أَوْ جَذْوَةٍ مِّنَ ٱلنَّارِ لَعَلَّكُمْ تَصْطَلُونَ
٢٩
فَلَمَّآ أَتَاهَا نُودِيَ مِن شَاطِىءِ ٱلْوَادِي ٱلأَيْمَنِ فِي ٱلْبُقْعَةِ ٱلْمُبَارَكَةِ مِنَ ٱلشَّجَرَةِ أَن يٰمُوسَىٰ إِنِّيۤ أَنَا ٱللَّهُ رَبُّ ٱلْعَالَمِينَ
٣٠
-القصص

عرائس البيان في حقائق القرآن

قوله تعالى { فَلَمَّا قَضَىٰ مُوسَى ٱلأَجَلَ } افهم ان مواقيت الانبياء والاولياء وقت سير الاسرار من بدو الارادة الى عالم الانوار وانفاسهم من بدو الارادة بل من وقت الولادة بل من كون الروح من العدم فى مشاهدة القدم ومنقسمة على شرائف الاحوال فى كل نفس لهم سر وحال ووجد وخطاب ومقام وكشف ومشاهدة فاجل الارادة اجل المعاملات واجل الحالات فاذا تم اوائل المعارف وامارات الكواشف لموسى ولم يبق عليه حق الارادات والمقامات والمعاملات وظهر له عين القدم فى عين الجمع وبان نور الازل فى النار بعد انقضاء الاجل قال { إِنِّيۤ آنَسْتُ نَاراً } والحكمة فى ذلك ان طبع الانسانية يميل الى الاشياء المعهودة لذلك تجلى النور فى الناس لاستيناسه بلباس الالتباس فاخبر عن حال الاستيناس وقال انّى انست نارا اى ابصرتها وأنتسها ولا تخلق النار من الاستيناس خاصة فى الشتاء وكان شتاء تجلى الحق بالنور فى لباس الناس لانه كان فى طلب النار فاخذ الحق مراده وتجلى من حيث ارادته وهذا سنته تعالى الا ترى الى جبرائيل انه اذا علم ان النبى صلى الله عليه وسلم احب وحيه فاكثر اتيانه اليه كان على صورة حية فلما وصل موسى الى المقصود ذهب النار وبقى النور وذهب الانس وبقى القدس ثم ذهب النور وظهر عين الصفة ثم عين الذات فلما وله تحير فى صولة الازل وبان العيان لم يبق له العرفان وظن ظنونا منها انه كان فى سره اين انا وايش ما ارى هل يكون لموسى ما يرى موسى او ان موسى نام عن موسى وما يرى لا يرى او يرى ولا يعرف فكاد ان يضمحل فى الحيرة اذ بان الكشف بالبداهة خارجا عن العادة فناداه الحق اين انت يا موسى انى انا الله فاوقعه بطيب الخطاب من الفناء الى البقاء ومن التفرقة الى الجمع حتى انس بالانس ثم القدس وبقى مع الحق بنعت الفرقان فى محل العيان فاوائل الاحوال كان رسما ثم وسما ثم واسطة ثم حقيقة فارتفع الوسائط وبقى الحقائق وذلك بقوله { فَلَمَّآ أَتَاهَا نُودِيَ مِن شَاطِىءِ ٱلْوَادِي ٱلأَيْمَنِ فِي ٱلْبُقْعَةِ ٱلْمُبَارَكَةِ مِنَ ٱلشَّجَرَةِ أَن يٰمُوسَىٰ } اتى من الاكوان والحدثان الى بساط الرحمن ونودى له من شاطئ واد الازل فى ساحة القدم من شجرة الذات باصوات الصفات ان يا موسى انى انا اشارة البعد فى القرب والقرب فى البعد والغيبة فى الحضور والحضور فى الغيبة اشار الى الهوية ثم الى كشف العيان بقوله { إِنِّيۤ أَنَا ٱللَّهُ } اى اخرج انت من انت من حيث انت فانى انا الله ابقى لك فانظر الىّ بعين منا حتى ترى الالوهية وتعلم الحقيقة قال ابن عطا فى قوله فلما قضى موسى الاجل التام اجل للجنة ودنا ايام القربة والزلفة واظهار انوار النبوة عليه سار باهله ليشترك معه فى لطائف الصنع وقال جعفر فى قوله أنس من جانب الطور نار ابصرنها دالة على الانوار لانه راى النور على هيئة النار فلما دنا منها شملته انوار القدس واحطات به جلابيب الانس فخوطب باللطف خطابا واستدعى منه احسن جواب فصار بذلك مكلما شريفا مقربا اعطى ما سأل واومن مما خاف وفنك قوله أنس من جانب الطور نار قال ابو بكر بن طاهر أنس سره برؤية النار لما كان فيه من عظيم الشان وعلو المرتبة فاخرج الرؤية بلفظ أنست اى أرى هذه النار رؤية مستانس بها لا مستوحش منها فدنا منها فانسه طهارة الموضع وما سمع فيه من مناجاة ربه وكلامه فتحقق بالانس وقال الواسطى الوسائط فى الحقيقة لا اوزان لها ولا اخطار وانما هى علل الضعف الطاقات كما جعل الواسطة به موسى بينه الشجرة نادى فى النفعة المباركة من الشجرة ان يا موسى ثم دفع الواسطة ثانيا فقال يا موسى انى اصطفيتك قال ابو سعيد القرشى ذلك الشجرة فى مخاطبة الكلام تعلل التطيق بذلك التعلل حمل موارد الخطاب عليه كما تعلل النبى صلى الله عليه وسلم بقوله حبيب اليّ من دنياكم ثلث أى انست منها ولا هى منى فى شئ انما لى منها تعلل اتحمل به موارد الوحى على قال ابو على----- بارى الجبل الذى كلم الله موسى عليه كان من عقيق قال القاسم لما سمع موسى الكلام خرَّصا عتما فجاء جبرئيل وميكائيل فروحاه بمروحة الانس حتى افاق من الهيبة واستانس بالانس مع الله فزال الرعب والفزع من قلبه فقال له يا موسى انا الذى اكلمك من علوى واسمعك من دنوى ------- ومن علوى الا خلوا من دنوى يا موسى انى انا الذى ادبقك قريتك وناجيتك عند ذلك له موسى اقريب انت فاناجيك ام بعيد فاناديك قال له انا اقرب اليك منك قال الاستاذ فى قوله انى انست نارا لاح له ثم لوح نورا ثم بدا ما بدا فلا كان المقصود النار ولا النور وظهر النداء انى انا الله قيل شتان بين شجرة وشجرة فشجر أدم عندها ظهرت محنة وفتنة وشجرة موسى عندها افتتحت نبوته ورسالته يا صاحبى لو يعلم قايل هذا القول احقيقة شجرة أدم لم يقل مثل هذا فى حق أدم فان شجرة أدم اشكر الى شجرة الربوبية لذلك قال ولا تقربا هذه الشجرة فان أدم اذا كان متصفا بصفات الحق اراد العينة بحقيقتها فنها الحق عنها فقال هذا شئ لم يكن لك فان حقيقة الازلية ممتنعة من الاتحاد بالحدثية هكذا قال ولكن اظهر ازليته من الشجرة وكسر أدم لم يصبر عن تناولها فاكل منها حبة الربوبية فكبر حاله فى الحضرة ولم يطق الجنة حملها فاهبط الى معدن العشاق فشجرة أدم الاسرار وشجرة موسى الانوار كم بين الاسرار والانوار الانوار للابرار والاسرار للاخيار فمال صال أدم بصولة السكر انهزم من سطوات عظمته ولم يحتمله الجنة بعد ذلك لذلك قيل اهبط وقيل فى القصة ان موسى لما سمع كلام الحق سبحانه غشى عليه فارسل الله اليه الملائكة حتى روحوه بمراوح الانس كان هذا فى ابتداء الامر والمبتدى مرفوق به وفى المرة الاخرة خرّ موسى صعقا وكان يفيق والملائكة تقول له يا ابن الحيض مثلك من يسال الرؤية يا ليت لو يعلم الملائكة ابن موسى هناك لم يعيروه فان موسى كان فى اول الاحوال مريدا وفى الاخر مرادا مطلوباً طلبه الحق واصطفاه لنفسه وقال واصطنعتك لنفسى وهيجه الى سوال رؤية بعد ان ناجاه وناداه باصوات اللطف وقال انى انا الله فشاهد موسى بين الجلال والجمال حقيقة الذات فظن انه خارج الحجاب من غلبة العيان قال رب ارنى فاجابه الحق وقال لن ترانى اى انت فى مشاهدتى وتارنى فمن اين تطلبنى وهانا فى عينك ترانى بعينى وفيه الف الاستفهام وغائبة مضمرة لا يدركها بالفهم الا اهل الحقائق فيا ليت لو يعملم الملائكة ان موسى فى ذلك مراد الحق اراد ان يريه نفسه وهيجه الى سؤال رؤيته ولولا ذلك فمن اين يجد الحدث ظهور وجود القدم وتلك الصعقة لموسى انه كا فى بداية الخطاب طمع الرؤية فلما تجلى الحق سبحانه للجبل له واسطة طمع وصول حقيقة القدم فماج بحر الربوبية موجا فالقت موسى اى سر الحيرة حتى صعق كما كان أدم يراه من الشجرة فتعربد كما تعربد الكليم فاهبطه من دار الوصلة الى دار المحبة وكذا يكون من اقبل الازل بنعت الاجل وصارع مع اسد القدم بصف العدم

ندعى غير منسوب الشئ من الحيف سقا وشل ما يشرب كفعل الضيف بالضيف
فلما دارت الكاس دعا بالنطع والسيفكذا من يشرب المراج مع التنين فى الصيف

قيل فى البداية لطف وفى النهاية عنف ويقال فى الاول اختل وفى الاخر قتل وقال الاستاذ فى وصف الشجرة الشجرة هى شجرة الوصلة ثمرتها القربة اصلها فى ارض المحبة وفرعها باسق فى سماء الصفوة اوراقها الزلفة ازهارها وانوراها تنفتق عن تسليم الروح والبهجة.