التفاسير

< >
عرض

فَٱعْلَمْ أَنَّهُ لاَ إِلَـٰهَ إِلاَّ ٱللَّهُ وَٱسْتَغْفِرْ لِذَنبِكَ وَلِلْمُؤْمِنِينَ وَٱلْمُؤْمِنَاتِ وَٱللَّهُ يَعْلَمُ مُتَقَلَّبَكُمْ وَمَثْوَاكُمْ
١٩
-محمد

عرائس البيان في حقائق القرآن

قوله تعالى { فَٱعْلَمْ أَنَّهُ لاَ إِلَـٰهَ إِلاَّ ٱللَّهُ وَٱسْتَغْفِرْ لِذَنبِكَ } ليس فى القران ذكر الذات المجرد عن ذكر الصفات والافعال الا ههنا والله اعلم فههنا خبر عن عين الالوهية التى تقتضى التوحيد المجرد الخالى عن التفرقة فى طلب الصفة والفعل فدعا حبيبه الى روية عيان الذات بنعت العلم واراد ان يعجزه فى روية ذاته عن درك الكل ويذوّق طعم الفناء فى سطوات عزة ذاته لا انه دعاه الى ان يعلم كنه عين القدم فانه منزه عن ادراك الخليفة بل عرّقه نعوت الاولية المنزه عن الادراك وعن درك المتحيرين فيه بان يدركوه بعجزهم فان العاجز منقطع بعجزه عنه بكل حال وايضا دعاه الى علم افراد القدم عن الحدوث قوله فاعلم انه لا إله الا الله فافاد علمه طرفين من العلم الاول نفى الاضداد والثانى اثبات الذات والمقصود منه هذان الحالان من النفى والاثبات الا انه اعلم كنه الالوهية الا ترى كيف قال فاعلم انه لا اله هو نفى الاضداد والا الله اثبات الالوهية وكيف دعاه الى العلم يبطون الازل وهو مستحيل ان يعلمها الحقيقة بالحقيقة واشارة قوله واستغفر لذنبك اى من وجودك فى مطالعتى ووجود جلالى فان بقاء وجود الحدث فى بقاء الحق اعظم الذنوب وايضا اذا دعاه الى العلم بوحدانيته وقع له عليه السّلام انه يعلم الحق بالحقيقة فى سرعة شوقه اليه وكمال محبته له فعرفه الحق موضع خاطره فى شوقه انه لا يمكن ذلك وهو مستحيل وهو ذنب فامره بالاستغفار منه بنعت عرفانه عجزه عن درك حقائق وجود القدم وايضا البس روح محمد المصطفى صلى الله عليه وسلم انوار من نور علمه وجعله عالما بعلمه ومتصفا بصفته فلما باشر ذلك النور نور روحه وتجلى الحق لسره من عين علمه صار عالما بعلم الحق على الحق فلما وجده بهذه المثابة دعاه الى العلم بحقيقة احديته بنعت زوال الشواهد والجواهر والاعراض والنظر الى الافعال وطلب الصفة الى الذات فتطرق بالحق الى الحق ليعلمه فحار سره فى ميادين الازل والابد واستغرق فى بحار اولية روحه وسره ولم يدركه وكلما وجد علما فنى فى علم أخر وذهب علم الاول فى العلم الثانى فلما وجده الحق عاجزا عن دركه امره بالاستغفار لما فيه من بقاء وجوده فى مقام الاتصاف فان فى الاتصاف بقى لعبد وبقاء العبد فى الاتصاف حجاب الاتصاف فاذا بقى وجده يحتجب به عن الادراك فاذا لم يبق بقى الحق وهو عالم بنفسه ازلا وابدا فوجوده تكلف فى البين اذا لحق عالم به لا هو فامره الحق بالاستغفار عن بقائه فى الاتصاف فانه ذنب عظيم اذ به محتجب عن مقصوده لذلك عرف حاله صلوات الله عليه وقال انه ليغان على قلبه وانى لاستغفر الله فى كل يوم مائه مرة ومن وقع فى هذا الحبر فقد وجب عليه فى كل نفس الف استغفار لان فى اول الحال فرح بوجدان المقام والسكون الى المقام فلما انكشف اليه مزيد القرب والمعرفة عن الاول وقد وجب عليه الاستغفار من الفرح به والوقوف عليه ولذلك قال الجنيد اعلم حقيقة انك بنا ولنا وبنا علمتنا واياك ان ترى نفسك فى علمك فان خطر بك خاطر غيره فاستغفر من خاطرك فلا ذنب ولا خطرة اعظم ممن رجع عنا الى سوانا ولو فى خطرة ونفس قال الواسطى من قال لا اله الا الله على العادة فهو احمق ومن قالها تعجبا فهو مصروف من الحق ومن قالها على الاخلاص فاشرك وطعنه لانه باياه يخلص حتى يصبر مخلصا ومن قالها على الحقيقة فقد ثبت عن الشواهد وقال القاسم العلماء اربعة عالم متروك وعالم متمكن وعالم موصول وعالم مجذوب فالعالم المتروك وهم العامة والعالم المجذوب وهم الذين جذب الله سرائرهم الى سره والعالم الموصول هم الذين يطلبون المعالية والعالم المتمكن وهو محمد صلى الله عليه وسلم وحد القرار فى محل المشاهدة لذلك خوطب بقوله فاعلم انه لا اله الا الله ولم يقل فاعرف لان الانسان قد يعرف الشئ ولا يحيط به علما ماذا علمه واحاط به علما فقد عرفه وقال الواسطى هما دعوتان دعا ابراهيم الى قوله اسلم ودعا محمد صلى الله عليه وسلم الى قوله فاعلم دعاء احدهم الى العلم والأخر الى الاسلام واعلاهما العلم فهو مرتبة الاجلة والاسلام هو الانقياد والانقياد اظهار العبودية والعلم اظهار الربوبية لا جرم ابتلى حين قال اسلمت بالنار وذبح الولد وغيرهما وقيل قال لابراهيم اسلم قال اسلمت ابتلى لما قال ونبينا صلى الله عليه وسلم لم يقل علمت فعوفى دما ينكث فى سرّى من الحال هواتف اطيار الغيب التى تنبه اهل الافهام انباء الربانية ان الله اختبر الخليل بروية الفعل والعلم بالصفة حيث قطع الطيور ليرى انوار الشاهد فى الشواهد بقوله بعد ان احياها واعلم ان الله عزيز حكيم وجل قدر المصطفى صلى الله عليه وسلم فامتحنه الله بالعلم بالذات ههنا بقوله فاعلم ان لا اله الا الله وهناك حيث قال للخليل السلم فهناك امتحان بالعبودية وما قال للحبيب فاعلم امتحان بالربوبية فكم فرق بين هذين المنزلين فالخليل اجترى من حيث شوقه وقال اسلمت وكان فى سكر الخطاب ولو كان فى وقت الصحو علم ان الحدثان لا ينقاد لعز ربوبيته كما يجب فان الحادث لا يبلغ الى حقيقة عبوديته اذ حقيقتها ان يشكر له بشئ يقابل القدم وهذا مستحيل فوقع اذاً فى الابتلاء فالخطابان مصدرهما من حيث الامر ولكن مصادرهما مختلفة قال الواسطى العلم حجة والمعرفة والغلبة غير محكوم بها قال الحسين العلم الذى دعى اليه المصطفى صلى الله عليه وسلم هو علم الحروف وعلم الحروف فى لام الف وعلم لام الف فى الف وعلم الالف فى النقطة وعلم النقطة فى المعرفة الاصلية وعلم المعرفة الاصلية فى علم الاول وعلم الاول فى المشية وعلم المشية فى علم الهو وهو الذى دعاه اليه فقال فاعلم انه فالهاء راجع الى غيب الهوية قال القاسم اضاف المعرفة الى الخلق فقال ولتعرفنهم فى لحن القول وقال يعرفونه كما يرفعون باناءهم واختص بهو بالعلم علم السراير ويمسى بالعلم ولم يسمى بالمعرفة وقال لا خص انبيائه واصطفيائه فاعلم بقربه من مصدر الحقيقة وموردها واشراقه على الغيب والمغيبات ودعاه الى العلم ووصف به ووصف العوام بالمعرفة لان العلم اتم وابلغ قال بعضهم فاعلم انه لا اله الا الله من حيث الله بغيبتك عن علمك ان لا اله الا الله واستغفر لذنبك من علمك لان كل حقيقة لا تمحوا أثار العبد ورسوله فليست بحقيقة وقال بعضهم ادخل النبى صلى الله عليه وسلم فى عين الجمع بما دعاه الى علم ألهيته اذ الهوية عين الجمع وفرق الخلق فى سائر الاسامى والصفات فطالع كل واحد منها قدره قال ابن عطا طلب تنزيه العبد لئلا يكون له خاطر غيره فى علمه بان لا اله الا هو علما لا قولا وهو حقيقة التوحيد حقائق تبنى عن الموحد لا حقائق تنبئ عن العبد قال على بن طاهر ان الله امر النبى صلى الله عليه وسلم ان يدعو الخلق اليه فلما دعا الخلق اليه دعاه من نفسه الهي بقوله فاعلم انه لا اله الا الله اى انت تدعو الخلق الى وانا ادعوك من نفسك الىّ وقال الاستاذ فى قوله واستغفر لذنبك اى اذا علمته انك علمته فاستغفر لذنبك من هذا فان الحق علا جل قدرة ان يعلمه غيره.