التفاسير

< >
عرض

ويَآءَادَمُ ٱسْكُنْ أَنتَ وَزَوْجُكَ ٱلْجَنَّةَ فَكُلاَ مِنْ حَيْثُ شِئْتُمَا وَلاَ تَقْرَبَا هَـٰذِهِ ٱلشَّجَرَةَ فَتَكُونَا مِنَ ٱلظَّالِمِينَ
١٩
فَوَسْوَسَ لَهُمَا ٱلشَّيْطَانُ لِيُبْدِيَ لَهُمَا مَا وُورِيَ عَنْهُمَا مِن سَوْءَاتِهِمَا وَقَالَ مَا نَهَاكُمَا رَبُّكُمَا عَنْ هَـٰذِهِ ٱلشَّجَرَةِ إِلاَّ أَن تَكُونَا مَلَكَيْنِ أَوْ تَكُونَا مِنَ ٱلْخَالِدِينَ
٢٠
-الأعراف

عرائس البيان في حقائق القرآن

{ وَيَا آدَمُ ٱسْكُنْ أَنتَ وَزَوْجُكَ ٱلْجَنَّةَ فَكُلاَ مِنْ حَيْثُ شِئْتُمَا } جعل الله سكونها الى الجنة وشغلها باكل ثمارها ووعد العيش فيها واخفى فى عيشهما كدر الامتحان باكل الشجرة وجعلها فتنة لهما ولو جعل سكونها بجماله وحسن وصاله لم يدخل فيها قهر الامتحان لان حضرته تعالى مقدسة عن رحمة الحدثان { وَلاَ تَقْرَبَا هَـٰذِهِ ٱلشَّجَرَةَ } دلالة اشارة والاجر الى الفتنة بنعت الخدعة وكيف لم يقرباها وهو تعالى تجلة فيها لهما بنعت الجمال ليعشقهما بجماله --- سر الاسرار من لطائف الاقدار فاشتاقا اليها عاشق نظر فلما قربا منها غلب شهوة العشق على حقيقة العشق فاكلا منها وباشراها فعلما علم سر الاسرار وعلم لطيف الاقدار فامتى ولم يحتملها الجنة لثقل انوار الاسرار ووازنه قوة الربوبيه لذلك قال { فَتَكُونَا مِنَ ٱلظَّالِمِينَ } بدخولكما فى حمى الربوبية واقتناسكما اسرار الالوهية ولولا ان الله حبس لسانها عن كشف الاسرار الاقطار من علم الاقدار ولذلك قال بعض المسرفين ان تلك الشجرة شجرة علم القضاء والقدر ومن علم ----- الله فيها وصل الى عن الملك والخلد بوصف الربوبية والحرية ولذلك حكى الله عن المنعوت بقوله هل ادلك على شجرة الخلد وملك لا يبلى علم الملعون انها شجرة الخلد والملك وجرم عنهما فازاد مباشرتها لينازغ الربوبية بقوتها ولم يقدر بان ليس له استعداد ذلك فتحسر فى نفسه وراى كنوز الغيب مملوة فيها مثمرة فدل أدم اليها ليكون بتلك النعمة متمتعا احد من خلقه لكن مزج بالارادة الحسد على أدم فاوقعه فيها لانه علم انها موضع خطر فعصمها الله من ذلك الخطر فلما كلا وحدا ذلك فى نفسها فزم الله وجههما وقلبهما زمام قهر سلطنته فلما راى انفسهم ساقطين عن محل الربوبية عرفا عجزها وضعفهما وعبوديتها فقالا ربنا ظلمنا انفسنا واراد الملعون انهم لما كلا الشجرة ان يظهر تلك الاسرار التى لو عرفها احد يكون عيارا سكرانا والهامد هوشا خارجا من قبول احكام الشرائع فى العبودية ولا يكون فى العالم حجة الله فقصد هما بذلك لسقوطهما عن درجة الرسالة والنبوة والولاية التى هناك ظهور العبودية لما يبدو لهما من عورات اسرار المكنونة والاقدار المختومة بقوله { فَوَسْوَسَ لَهُمَا ٱلشَّيْطَانُ لِيُبْدِيَ لَهُمَا مَا وُورِيَ عَنْهُمَا مِن سَوْءَاتِهِمَا } اذا اراد سبحانه ان يظهر لعبده سرا من اسراره اعزى ابليس بوسوسة سبب ينكشف به تلك الاسرار له فيرتفع بعلمها درجاته فيرجع ضررها الى ابليس ورجع منفعتها الى عبده العارف كحال أدمع وعدوه اراد العدوان يسقطه من درجته فزاد شرفه على شرفه وقد سقط هو من رتبته بالحسد عليه وصار مطرود الابد وصار أدم مقبول الازل والابد لقوله سبحانه ولا يحيق المكر السئ الا باهله وقال تعالى فى حق أدم ثم اجتبه ربه فتاب عليه وهدى وقال فى حق داود وان له عندنا لزلفى وحسن ماب ولما بدا لهما تلك الاسرار كتماها فى نفسهما باستعدادهما الى اشجار الرعاية بقوله { وَطَفِقَا يَخْصِفَانِ عَلَيْهِمَا مِن وَرَقِ ٱلْجَنَّةِ }.