التفاسير

< >
عرض

يَسْأَلُونَكَ عَنِ ٱلأَنْفَالِ قُلِ ٱلأَنفَالُ لِلَّهِ وَٱلرَّسُولِ فَٱتَّقُواْ ٱللَّهَ وَأَصْلِحُواْ ذَاتَ بِيْنِكُمْ وَأَطِيعُواْ ٱللَّهَ وَرَسُولَهُ إِن كُنتُم مُّؤْمِنِينَ
١
إِنَّمَا ٱلْمُؤْمِنُونَ ٱلَّذِينَ إِذَا ذُكِرَ ٱللَّهُ وَجِلَتْ قُلُوبُهُمْ وَإِذَا تُلِيَتْ عَلَيْهِمْ ءَايَٰتُهُ زَادَتْهُمْ إِيمَٰناً وَعَلَىٰ رَبِّهِمْ يَتَوَكَّلُونَ
٢
ٱلَّذِينَ يُقِيمُونَ ٱلصَّلاَةَ وَمِمَّا رَزَقْنَاهُمْ يُنفِقُونَ
٣
أُوْلۤـٰئِكَ هُمُ ٱلْمُؤْمِنُونَ حَقّاً لَّهُمْ دَرَجَاتٌ عِندَ رَبِّهِمْ وَمَغْفِرَةٌ وَرِزْقٌ كَرِيمٌ
٤
كَمَآ أَخْرَجَكَ رَبُّكَ مِن بَيْتِكَ بِٱلْحَقِّ وَإِنَّ فَرِيقاً مِّنَ ٱلْمُؤْمِنِينَ لَكَارِهُونَ
٥
يُجَادِلُونَكَ فِي ٱلْحَقِّ بَعْدَ مَا تَبَيَّنَ كَأَنَّمَا يُسَاقُونَ إِلَى ٱلْمَوْتِ وَهُمْ يَنظُرُونَ
٦
وَإِذْ يَعِدُكُمُ ٱللَّهُ إِحْدَى ٱلطَّآئِفَتِيْنِ أَنَّهَا لَكُمْ وَتَوَدُّونَ أَنَّ غَيْرَ ذَاتِ ٱلشَّوْكَةِ تَكُونُ لَكُمْ وَيُرِيدُ ٱللَّهُ أَن يُحِقَّ الحَقَّ بِكَلِمَاتِهِ وَيَقْطَعَ دَابِرَ ٱلْكَافِرِينَ
٧
لِيُحِقَّ ٱلْحَقَّ وَيُبْطِلَ ٱلْبَاطِلَ وَلَوْ كَرِهَ ٱلْمُجْرِمُونَ
٨
-الأنفال

عرائس البيان في حقائق القرآن

{ يَسْأَلُونَكَ عَنِ ٱلأَنْفَالِ } لكل طائفة فى طريق المجاهدة والقتال مع النفس فتح وغنيمة فغنيمة المريدين صفاء المعاملات وغنيمة المحبين وذوق الحالات وغنيمة العارفين كشف المشاهدات والسوال عن ذلك اقتباس نور الشريعة من مشكوه النبوة واستعلام الادب فى طريق المعرفة لله هذه الكرامة لا بالاكتساب يوتيه من يشاء { وَٱلرَّسُولِ } الحكم فيه لجهة تربية الامة وان الله تعالى مستغنى عن الخليفة ورسوله يظهر فى اداء رسالته عن حظوظ نفسه ثم حذرهم بنفسه عن نفسه فى طريق ومواساة عبادة بقوله { فَٱتَّقُواْ ٱللَّهَ وَأَصْلِحُواْ ذَاتَ بِيْنِكُمْ } اى اتقوا الله فى طلبة لا تلتقوا الى غيره واسوأ قلوب اخوانكم يبدل مهجتكم اليهم فى مواخاتكم ومصادقتكم لله وفى الله { وَأَطِيعُواْ ٱللَّهَ } فى الحقيقة واطيعوا الرسول فى الشريعة { إِن كُنتُم مُّؤْمِنِينَ } اى ان كنتم صادقين فى دعوى المحبة قال سهل التقوى ترك كل شئ يقع عليه الذم وقال الاستاد التقوى ايثار رضى الحق على مراده النفس تم وصف المؤمنين بالعلامات الصحيحة الدالة على صدقهم التى اذارتها الا تشك فى ايمانهم وذلك تاثير واراد نور الغيب التى ترد على قلوبهم فيظهر علامة فى وجهوهم بقوله { إِنَّمَا ٱلْمُؤْمِنُونَ ٱلَّذِينَ إِذَا ذُكِرَ ٱللَّهُ وَجِلَتْ قُلُوبُهُمْ وَإِذَا تُلِيَتْ عَلَيْهِمْ آيَاتُهُ زَادَتْهُمْ إِيمَاناً وَعَلَىٰ رَبِّهِمْ يَتَوَكَّلُونَ } وصف السّامعين من اهل الايمان والايقان عند جريان ذكره وسماع خطابه وتلاوة كتابه بالوجد الذى يكون عند سماع الذكر من رؤية جلال الله وعظمته تجلاها يزيد لايمانهم نور الغيب ولايقانهم سنا القرب ولحسن رضاهم فى طاعته روح الانس حتى تصيروا خائفين من عظمته عارفين بربوبيته متوكلين بكفايته قال شيخنا وسيدنا ابو عبد الله بن خفيف قدس الله روحه فى ذكر وجل فى هذه الآية قال واعلم ان احكام الوجل انما يصح للوجلين عند تكشف استار الوان وذهاب حجب الغفلاة من القلوب فيشهد بقوة علمه وصفاء يقينه سطوات الخوف فداخله لطيف الوجل برقة الاشفاق وذلك مما احلى عن القلوب عن اجناته وتعظيمه وترهيبه كل ساتر قال ابو سعيد الحراز هل رايت ذلك الوجل عند سماع الذكر وعند سماع كتابه وخطابه اهل اخرسك سماع ذلك الذكر حتى لم تنطق الا به وهل اصمك حتى لم تسمع الا به منه هيبات وقال سهل فى قوله وجلت قلوبهم هاجت من خشية الفراق فخشعت الجوارح لله بالخدمة وقال الواسطى الوجل على مقدار المطالعة ربما يربه مواضع السطور وربما يربه مواضع المحبة والمحبة وربما يربه التقريب والتبعيد وقال الجنيد وجلت قلوبهم من فوات الحق وقال بعضهم الوجل على مقدار المطالعات فان طالع السطوة هاب به وان طالع وده وجل عليه مخافة فوته ومن جملة ذلك من طالع التقريب بالتأديب وجل ومن طالع التهديد بالتبعيد وجل ومن طالعه مغيبا عن شاهده قائما بسرمده خاليا من ازله وابده فلا وجل حينئذ ولا اضطراب ولا تباعد ولا اقتراب فانه محقق بالذوات ونسى الصفات وقنى عن الذات بالذات كما هرب رسول الله صلى الله عليه وسلم عن الصفات الى الذات فقال اعوذ بك منك قال الجنيد فى قوله واذا تليت عليهم اياته زادتهم ايمانا ان لا وصول الى الله الا بالله قال الاستاد يخرجهم الوجل من اوطان الغفلة ويزعجهم عن مساكن الغيبة واذا انفضلوا عن اودية التفرقة وجاءوا الى مشاهدة الذكر نالوا السكون الى الله فيزيدهم ما يتلى عليهممن اياته تصديقا على تصديق وتحقيقا على تحقيق اذا طالعوا جلال قدره وايقنوا قصورهم عن ادراكه توكلوا عليه فى امدادهم برعايته فى نهايتهم كما استخلصهم بعنايته فى بدايتهم ويقال سنة الحق سبحانه مع اهل العرفان ان يودهم بين كشف جلاله ولطف جماله فاذا كاشفهم بجلاله وجلت قلوبهم واذا لاطفهم بجماله سكنت قلوبهم قال الله تعالى تطمئن قلوبهم بذكر الله ويقال وجلت قلوبهم لخوف فراقه ثم تطمئن ويسكن ارواحهم بروح وصاله فذكر الفراق يفنيهم وذكر الوصال يصحبهم ويحبهم ثم ان الله سبحانه زاد فى وصفهم بالعبودية وبذل المهجة فى الطريق بقوله تعالى { ٱلَّذِينَ يُقِيمُونَ ٱلصَّلاَةَ وَمِمَّا رَزَقْنَاهُمْ يُنفِقُونَ } ثم وصفهم باستكمال ايمانهم بقوله { أُوْلۤـٰئِكَ هُمُ ٱلْمُؤْمِنُونَ حَقّاً } فشرط حقيقة الايمان بهذه الخصال التي نكرها فى الايتين اللتين فى صدر السورة كاَنّ من لم ينحل بهذه الخصال المذكورة لم يتحقق فى ايمانه وهى التقوى والاصلاح بين المؤمنين وذلك محل بصحبته وهو نوع من التمكين والانقياد عند امر الله ورسوله والاخلاص ووجل القلب عند سماع الذكر والقران ومزيد اليقين وترك التدبير فى استقبال التقدير ومقام المناجاة من الصلاة والانقطاع عن الاشتغال بالدنيا وايثار حقوق الاخوان على نفسه فاذا استكمل هذا الجلال ===اسم تحقيق الايمان عليه لقوله اولئك هم المؤمنون حقا ويستحق بعد هذا الثناء ما وعده الله المتحققين في ايمانه من المغفرة التامة حيث لم يلتفت بفضله الى خطواتهم ويشرفهم الى اعلى الدرجات ويسقيهم شراب الوصال عند كشوف المشاهدات بقوله { لَّهُمْ دَرَجَاتٌ عِندَ رَبِّهِمْ وَمَغْفِرَةٌ وَرِزْقٌ كَرِيمٌ } بين ان حقيقة الايمان مكاشفة الغيب واظهور ما وعد الله لهم وتصديق ذلك سوال النبي صلى الله عليه وسلم عن الحارثة فقال يا حارثة لكل حق حقيقة فما حقيقة ايمانك قال عزفت نفسى عن الدنيا فاسهرت ليل واطمأت نهارى وكانى انظر الى عرش ربى بارزا وكانى انظر الى اهل الجنة فى الجنة يتزاورون والى اهل النار يتعاوون فقال عليه السَّلام عرفت فالزم فصح فى الاية والحديث ان حقيقة الايمان رؤية الغيب بالغيب وثمرتها ما ذكره الله فى الاية من المعاملات السيئة والحالات الشريفة قبل جمع اشياء حقق بها ايمانهم التعظيم للذكر والوجل عند سماعه واظهار الزيادة عليهم عند تلاوة الذكر وسماعه وحقيقة التوكل على الله والقيام بشروط العبودية على حد الوفاء واكملت اوصافهم فى حقيقة الحقائق فصاروا === بالايمان قال الجنيد حقا انه سبقت لهم من الله السعادة قال ابو بكر بن طاهر حقيقة الايمان بخمسة اشياء باليقين والاخلاص والخوف والرجاء والمحبة فباليقين يخرج من الشك وبالاخلاص يخرج من الرياء وبالخوف يخرج من المكر وبالرجاء يخرج من القنوط وبالمحبة يخرج من الشك وبالاخلاص يخرج من الرياء وبالخوف يخرج من المكر وبالرجاء يخرج من القنوط وبالمحبة يخرج من الوحشة والحيرة وقال الاستاذ فى قوله لهم مغفرة ورزق كريم ان الحق سبحانه يستر مثالب العاصين ولا يفضحهم لئلا يحجبوا عن ما مول افضالهم ويستر مناقب الفازفين عليهم لئلا يعجبوا باعمالهم واحوالهم والرزق للاسرار بما يكون استقلالها من المكاشفات ثم بين تعالى ان لاهل حقائق الايمان بعض طباع البشرية والحريات الانفس الامارة عند وقوع امر الله ولا ينقلب ذلك بمقطنهم بل فضله ورحمته اصطفاهم بهذه الكرامات قبل وجودهم فى الازل خاصية واجتبائه بغير علة اكتسابهم وبين ان الولى الصادق وان بلغ درجة الولاية لم يخل من بعض خطرات النفس ولم يكن ذلك نقصانه بل بيان اختصاصه باختصاصه القديم فى سابق حكمه لهم حتى لا يظن الظان ان الولى لم يبلغ درجة الولاية الا باداء جميع حقوق العبودية فان محل النبوة لا تخلو من الخطرات فكيف بمحل الولاية وجملة ذلك قوله سبحانه لنبيه عليه السلام { كَمَآ أَخْرَجَكَ رَبُّكَ مِن بَيْتِكَ بِٱلْحَقِّ وَإِنَّ فَرِيقاً مِّنَ ٱلْمُؤْمِنِينَ لَكَارِهُونَ } ثم زاد فى وصف طباعهم بقوله { يُجَادِلُونَكَ فِي ٱلْحَقِّ بَعْدَمَا تَبَيَّنَ كَأَنَّمَا يُسَاقُونَ إِلَى ٱلْمَوْتِ وَهُمْ يَنظُرُونَ } سبحان من خص هؤلاء بهذه الصفات بحقائق الايمان ودرجاتها وانوارها ومكاشفاتها ولم ينال بتلك الصفات ليعلم الخلق ان فضله سابق عليهم وعنايته لهم قديمة ومعنى الاية ان وضع قسمة الغنائم بقسمة الازل كما ارادت نفوسهم كما اخرجك ربك من بيتك لقتال العدو وهم فى ذلك كارهون وكراهتهم فى القتال لكراهتهم فى قسمة الغنائم وتلك الكراهة من قبل النفس وطبع البشرية لا من قبل الانكار فى قلوبهم لامر الله ورسوله فانهم موقنون بقول الله ورسوله وكذا حال جميع السالكيم لم تفر نفوسهم من اوطان قلوبهم فى جميع الانفاس الا عند كشوف مشاهدة الحق سبحانه فهناك لا يبقى على وجه الارض القلوب الاشراق انوار الغيوب قيل ان النفس ىلا تالف الحق ابدا جدالهم مع النبى صلى الله عليه وسلم من جهة لانبساطهم اطفالحجر الوصلة وجدالهم كجدال الخليل عليه السلام ومن راس الخلة والانبساط قال تعالى يجادلنا فى قوم لوط والفرار ليلاً قبل وقوع المشاهدة فاذا وقع الحق ورفع الحجاب لم يبقى من اثار النفوس ذرة فالقوم كانوا فى ذلك الوقت فى مقام الغيبة فلما انكشف لهم ماامولهم بذلوا مهجتهم بطيبة نفوسهم حيث اختاروا الشهادة فى الاحد وان من سنة الله لهل السلوك اخراجه اياهم من اوطانهم ليذوقوا ارادة الفرقة فى الغربة ولا يبقى عليهم ما لو فات البشرية لذلك قال كما يخرجك ربك من بيتك فالحقيقة فى ذلك خروج الرجال من اوطان النفوس الى فضاء المشاهدة حتى لا يبقى معك غيره قال ابو بزيد قدس الله روحه سالت الوصلة فقال لى دع نفسك وتعال قال ابن عطا اخرجك من بلدتك لنحيى به قلوبا عميا عن الحق وان فريقاً من المؤمنين لكارهون مفارقة اوطانهم ولا يتم لعبد حقيقة الصحبة والنصيحة الا بعد هجران اقاربه ومفارقة اوطانهم اخرجهم من تلك البلدة حتى القوا غيرها من البلاد ولم يبق عليهم مطالبة لها فردهم اليها لئلا يملكهم سوى الحق شئ وقال بعضهم فى هذه الاية افناك عن اوصافك ومواضع سكونك واعتمادك وما كان يميل اليه قلبك لئلا تلاحظ محلا ولا يسكن الى مالوف فاخرجك من المالوفات ليكون بالحق قيامك وعليه اعتمادك وان فريقا من المؤمنين لكارهون ظاهر روحك ومفارقتك اوطانك ولا يعلمون ان خروجك مها الخروج عن جميع الرسوم المألوفة والطبائع المعهودة وانك بمفارقة هذا الوطن المعتاد يصير الحق وطنك ثم زاد سبحانه فى وصف القوم فى طلب فاهيتهم بقوله { وَتَوَدُّونَ أَنَّ غَيْرَ ذَاتِ ٱلشَّوْكَةِ تَكُونُ لَكُمْ } سنة الله التى قد جرت فى الازل ان عند كل مشاهدة مجاهدة وان عند كل نعمة بلا ظهور فضل الربوبية واذعان الخليقة لامر القدم بنعت العبودية قال بعضهم من ظن انه يصل الى الحق بالجهد فمتعن ومن ظن انه يصل اليه بغير الجهد فهن قوله تعالى { لِيُحِقَّ ٱلْحَقَّ وَيُبْطِلَ ٱلْبَاطِلَ } تميز بلطفه وابراز كرمه وظهور جلاله لاهله بين الصادق فى محبته والمدعى بكراماته وايضا ليحق حق الايمان والصدق ببذل مهجتهم لله مما يجرى على اوصافهم من خطور النفسانية وايضا ليحق حق المشاهدة المحبة فى قلوبهم ويبطل الهواجس ما فى نفوسهم قال بعضهم ليحق الحق بالاقبال عليه ويبطل الباطل بالاعراض عنه قال الواسطى ليحق الحق بتجليه ويبطل الباطل باستتاره وقال بعضهم يحق الحق بالكشف ويبطل الباطل بالسّر وقال بعضهم يحق الحق بالرضا ويبطل الباطل بالسخط وقيل ليحق الحق للاولياء ويبطل الباطل للاعداء وقيل ليحق الحق بال=== ويبطل الباطل بالصرف وقيل ليحق الحق بالبراهين ويبطل الباطل بالدعاوى