التفاسير

< >
عرض

وَلَوْ أَنَّهُمْ رَضُوْاْ مَآ آتَاهُمُ ٱللَّهُ وَرَسُولُهُ وَقَالُواْ حَسْبُنَا ٱللَّهُ سَيُؤْتِينَا ٱللَّهُ مِن فَضْلِهِ وَرَسُولُهُ إِنَّآ إِلَى ٱللَّهِ رَاغِبُونَ
٥٩
إِنَّمَا ٱلصَّدَقَاتُ لِلْفُقَرَآءِ وَٱلْمَسَاكِينِ وَٱلْعَامِلِينَ عَلَيْهَا وَٱلْمُؤَلَّفَةِ قُلُوبُهُمْ وَفِي ٱلرِّقَابِ وَٱلْغَارِمِينَ وَفِي سَبِيلِ ٱللَّهِ وَٱبْنِ ٱلسَّبِيلِ فَرِيضَةً مِّنَ ٱللَّهِ وَٱللَّهُ عَلِيمٌ حَكِيمٌ
٦٠
-التوبة

عرائس البيان في حقائق القرآن

قوله تعالى { وَلَوْ أَنَّهُمْ رَضُوْاْ مَآ آتَاهُمُ ٱللَّهُ وَرَسُولُهُ } وصف الله قوما ليسوا من اهل مقام الرضا لانهم كانوا محرومين عن معرفة الله ورسوله ومعرفة حقائق الدين ولو كانوا من اهل المعرفة لرضوا فيهما ابتلاهم الله فان الرضا مقرون بالمعرفة ونعت الراضى للنشاط بما استقبله من الله ويستلد باشر قلبه عن البلاغ كانه يحتمل البلاء برؤية المبلى ويسكن فى جريان المقادير عليه بما يرد على قلبه من روح انوار القدر والراضى موصوف بصفة الرضا من الله والمتصف بصفاته يرضى برضى الله فى امتحانه ورضى الله مقدس عن التغيير بوارد الحدثان وبين الله سبحانه ان الراضى عن الله فالله خلقه عن كل فوت وحيوته عن كل موت بقوله { وَقَالُواْ حَسْبُنَا ٱللَّهُ } من كان هو حسبه فاجره مشاهدة حسيبه قال الله { سَيُؤْتِينَا ٱللَّهُ مِن فَضْلِهِ } اى من قربه ومشاهدته { وَرَسُولُهُ } يظهر لنا من فوائد الغيب المكشوفة له ويودينا بما استأثره الله من حقائق الادب { إِنَّآ إِلَى ٱللَّهِ رَاغِبُونَ } بنعت الشوق الى جماله الا الى غيره من العرش الى الثرى علم الله تعالى ادب الرضا والسوال فى هذه الاية الصادقين والعارفين والمريدين قال ابراهيم بن ادهم رضى بالمقادير لم لعتم وقال فضيل الراضى لا يتمنى فوق منزلته ثم ان الله تعالى لما درس علم الحرمان فى افواه المدعين بمقام الايمان والمعرفة الذين طلبوا من النبى صلى الله عليه وسلم ما خص الله به الروحانيين ==== على اعناق اهل الدنيا الذين يجمعونها من سهم الزكاة ذكرانه استأثره لاهل المراقبات والمشاهدات وغيرهم من اهل المقامات بقوله { إِنَّمَا ٱلصَّدَقَاتُ لِلْفُقَرَآءِ وَٱلْمَسَاكِينِ وَٱلْعَامِلِينَ عَلَيْهَا } ان الله سبحانه قسم هذه الجوايز من فضله ولطفَه على اهل معرفته رحمة منه عليهم بعلمه انهم غائبون فى اودية فردانيته المستغرقون فى بحار وحدانيته والهون من حبه هائمون من شوقة لا يطيقون ان يشتغلوا بما لا بد لهم من كثيرات حريقات ليأخذوا كلهم على قدر مراتبهم من سهام ما رزقهم الله حلالاً طيباً مما اوجبه على طلاب الدنيا وحذر اهل الدنيا عن عذاب الاليم اذ يقصرون فى اعطاء الزكوة الى هؤلاء السادة يطيب نفوسهم ونشاط قلوبهم وبين عدد اهلها وقسمهم بثمانية اقسام وجعل اولهم الفقراء وحسم اطماع غيرهم عن هذه السهام وقال انما الصدقات للفقراء ومن بعدهم من اصناف الثمانية ودليل الخطاب ان هذه لهم لا لغيرهم ابدا بالفقراء وهم المتجردون بقلوبهم وابدانهم عن الكونين والعالمين المنعوتون بنعت التنزيه حيث وقعوا فى قدس القدم فاتصفوا بقدسه وتنزهوا بتنزيهه وانفردوا بفردانيته يفتقرون الى وصال الابد والمساكين هم الذين سكنوا فى حجال الانس بنور القدس حاضرين فى العبودية بنفوسهم غائبين فى انوار الربوبيّة بقلوبهم لذلك اختار المسكنة سيد فرسان العالمين محمد صلى الله عليه وسلم بقوله اللهم احينى مسكيناً وامتنى مسكينا واحشرنى فى زمرة المساكين وانشد

مساكين اهل الارض ساقت قلوبهم فهم انفس عاشوا بغير قلوب

والعاملون اهل التمكين من العارفين واهل الاستقامت من الموحدين الذين وقعوا فى نور البقاء فاورثهم البسط والانبساط فياخذون منه ويعطون له وهم خزاين خزاين جوده المشفقون على اوليائه قلوبهم معلقة بالله لا بغيره من العرش الى الترى والمؤلفة قلوبهم المريدون الذين سلكوا طريق محبته برقة قلوبهم وصفاء نياتهم وبذلوا مهجتهم فى عساكر ميادين شوقه ومحبته وعشقه وهم عند الاقوياء ضعفاء الاحوال تحفهم الله هذه التحفة فى مواساة حظوظهم واستجلاب نشاط نفوسهم فى طاعات مولاهم وحاشا انهم بذلوا انفسهم لنيل ثواب او الروية مقام او تطلع حال بل فناء لله عما سوى الله كما انشد بعضهم

من لم يكن بك فانيا عن حظه وعن الهوى والانس بالاحباب
اويتمته صبابت جمعت له ما كان مفترقاً من الاسباب
فلانه بين المراتب واقف لمنال حظ او لحسن مآب

وفى الرقاب هم الذين رهنت قلوبهم بلذة محبة الله وبقيت نفوسهم فى المجاهدة فى طريق الله لم يبلغوا بالكليّة الى شهود كشف مشاهدة الله فتارة يغريهم سلبات القهر وتارة يفنيهم انوار اللطف فلحظة هم فى الحج بحار الارادات ولحظة هم فى سواحل بحر القربة ما اشد حيرتهم فى فقر الولاية وما اعظم رغبتهم فى فقر المحبة لا يصلون الى الحقيقة ما دام عليهم بقية المجاهدة قال عليه السّلام المكاتب عبد ما بقى عليه درهم وانشد فى ذلك

تمنى على الزمان محالا ان ترى مقلتاى طلعة حرّ

والغارمون هم الذين ما قضوا حقوق معارفهم فى العبودية وما ادركوا فى ايقانهم حقائق الربوبية وهم بقوا ابدا فى تلك الغرامة لان الفقدان بلا نهاية والموحدان بلا نهاية ومن نودى ما فات عنه فى الفقدان من بذل الوجود بنعت الصبر ومن يؤدى حقوق الوجدان بنعت الشكر هذا قبل المعرفة عزيم لا يقضى دينه وفى سبيل الله هم المحاربون مع نفوسهم بالمجاهدات والمرابطون قلوبهم فى شهود الغيب لكشف المشاهدات وابن السبيل هم المسافرون بقلوبهم فى بوادى الازل ومسافرون بأرواحهم فى فقار الابد وبعقولهم فى طرق الايات وبنفوسهم فى طلب اهل الولايات { فَرِيضَةً مِّنَ ٱللَّهِ } واجبّة منه على اهل زمام الايمان يواسوا بهذه القسمة اهل الايقان والعرفان { وَٱللَّهُ عَلِيمٌ حَكِيمٌ } عليم بأحوال هؤلاء المقربين فى غيبتهم عن الدنيا حكيم حيث اوجب مواساتهم على اهل الاخرة والعقبى قال بعضهم الفقراء ثلاثة فقيلا لا يسأل ولا يتعرض وان اعطى لا يقبل فذاك كالروحانيين وفقير لا يسأل ولا يتعرض وان اعطى قبل مقدار حاجته فذاك لا حساب عليه وفقير يسأل مقدار قوته وان استغنى كف فذلك فى حظيرة القدس وقال ابراهيم الخواض نعت الفقير السكون عند العدم والايثار والبذل عن الوجود والمسكين من يرى عليه اثر العدم وقال الاستاد الفقير الصادق عندهم من الاسماء تظله ولا ارض تُقَلِّه ولا سمةً فى اوان العبودية يتناوله ولا معلوم بشغله فهو عبد بالله لله يرد الى التمييز وفى غير هذا الوقت مصطلم عن شواهده واقف بربه منشعب عن حملته وقال الاستاد ابن السبيل عند القوم اذا تغرب العبد عن مألوفات اوطانه فهو فى قرى الحق فالجوع طعامه والخلوة مجلسه والمحبة شرابه والانس سوره والحق تعالى مشهوده وسقاهم ربهم شرابا طهورا لقوم وعدا فى الجنة والاخرين نقد فى الوقت وهو شراب المحاب وغذا شراب الثواب وانشد

ومقعد قوم مشى من شرابنا واعمى سقيناه ثلثاً فابصرا
والغرس لم ينطلق ثلثين حجة ادرنا عليه الكأس يوماً فاخبراه