التفاسير

< >
عرض

وَلَمَّا بَلَغَ أَشُدَّهُ آتَيْنَاهُ حُكْماً وَعِلْماً وَكَذٰلِكَ نَجْزِي ٱلْمُحْسِنِينَ
٢٢
وَرَاوَدَتْهُ ٱلَّتِي هُوَ فِي بَيْتِهَا عَن نَّفْسِهِ وَغَلَّقَتِ ٱلأَبْوَابَ وَقَالَتْ هَيْتَ لَكَ قَالَ مَعَاذَ ٱللَّهِ إِنَّهُ رَبِّيۤ أَحْسَنَ مَثْوَايَ إِنَّهُ لاَ يُفْلِحُ ٱلظَّالِمُونَ
٢٣
وَلَقَدْ هَمَّتْ بِهِ وَهَمَّ بِهَا لَوْلاۤ أَن رَّأَى بُرْهَانَ رَبِّهِ كَذَلِكَ لِنَصْرِفَ عَنْهُ ٱلسُّوۤءَ وَٱلْفَحْشَآءَ إِنَّهُ مِنْ عِبَادِنَا ٱلْمُخْلَصِينَ
٢٤
وَٱسْتَبَقَا ٱلْبَابَ وَقَدَّتْ قَمِيصَهُ مِن دُبُرٍ وَأَلْفَيَا سَيِّدَهَا لَدَى ٱلْبَابِ قَالَتْ مَا جَزَآءُ مَنْ أَرَادَ بِأَهْلِكَ سُوۤءًا إِلاَّ أَن يُسْجَنَ أَوْ عَذَابٌ أَلِيمٌ
٢٥
قَالَ هِيَ رَاوَدَتْنِي عَن نَّفْسِي وَشَهِدَ شَاهِدٌ مِّنْ أَهْلِهَآ إِن كَانَ قَمِيصُهُ قُدَّ مِن قُبُلٍ فَصَدَقَتْ وَهُوَ مِنَ الكَاذِبِينَ
٢٦
وَإِنْ كَانَ قَمِيصُهُ قُدَّ مِن دُبُرٍ فَكَذَبَتْ وَهُوَ مِن الصَّادِقِينَ
٢٧
فَلَمَّا رَأَى قَمِيصَهُ قُدَّ مِن دُبُرٍ قَالَ إِنَّهُ مِن كَيْدِكُنَّ إِنَّ كَيْدَكُنَّ عَظِيمٌ
٢٨
يُوسُفُ أَعْرِضْ عَنْ هَـٰذَا وَٱسْتَغْفِرِي لِذَنبِكِ إِنَّكِ كُنتِ مِنَ ٱلْخَاطِئِينَ
٢٩
-يوسف

تفسير القرآن

وقال بعد قوله: { آتيناه حكماً وعلماً }. { وكذلك نجزي المُحْسنين } في الطلب والإرادة والاجتهاد والرياضة، ومراودة زليخاء إياه عن نفسه وتغليقها الأبواب عليه إشارة إلى ظهور النفس اللوّامة بصفتها. فإنّ التلوين في مقام القلب يكون بظهور النفس كما أن التلوين في مقام الروح يكون بوجود القلب وجذبها للقلب إلى نفسها بالتسويل والاستيلاء عليه وتزيين صفاتها ولذاتها، وسدّها طرق مخرجه إلى الروح بحجبها مسالك الفكر ومنافذ النور بصفاتها الحاجبة وهمه بها ميل القلب إليها لعدم التمكين والاستقامة ورؤيته لبرهان ربه إدراك ذلك التلوين بنور البصيرة ونظر العقل كما قيل في القصة: تراءى له أبوه، فمنعه أو صوّت به، وقيل: ضرب بكفه في نحره فخرجت شهوته من أنامله وذهبت، كل ذلك إشارة إلى منع العقل إياه عن مخالطة النفس بالبرهان ونور البصيرة والهداية وتأثيره فيه بالقدرة والأيد النوريّ الموجب لذهاب شهوتها وظلمتها النافذ فيها إلى أطرافها المزيل عنها بالهيئة النورية الهيئة الظلمانية، وقدّ قميصه من دبر إشارة إلى خرقها لباس الصفة النورية التي له من قبل الأخلاق الحسنة والأعمال الصالحة بتأثيرها في القلب بصفتها، فإنها صفة يكسبها القلب بالجهة التي تلي النفس المسماة بالصدر وهو الدبر لا محالة.
وقوله: { ألفيا سيدها لدى الباب } إشارة إلى ظهور نور الروح عند إقبال القلب إليه بواسطة تذكر البرهان العقلي وورود الوارد القدسي عليه، واستتباعه للنفس وهي تنازعه بالجذب إلى جهتها واستيلائه على القلب ثم على النفس بواسطته. وقولها: { ما جزاء من أراد بأهلك سوءً } تلويح إلى أن النفس تسوّل أغراضها في صور المصالح العقلية وتزينها بحيث تشتبه مفاسدها بالمصالح العقلية التي يجب على العقل مراعاتها والقيام بها وموافقتها فيها ومخالفته إياها فيها إرادة السوء بها ومقابحها بالمحاسن التي تتعلق بالمعاش كمماكرة النساء بالرجال وميل القلب إلى الجهة العلوية يكذب قولها ودعواها، والشاهد الذي شهد من أهلها قيل كان ابن عمّ لها، أي: الفكر الذي يعلم أنّ الفساد الواقع من جهة الأخلاق والأعمال لا يكون غلا من قبل النفس واستيلائها، إذ لو كان من جهة القلب وميله إلى النفس لوقع في الاعتقاد والعزيمة لا في مجرّد العمل. وقيل كان ابن خالتها، أي: الطبيعة الجسمانية التي تدل على الميل السفلي في النفس الجاذب للقلب من جهة الصدر المباشر للعمليات إلى أرض البدن وموافقاته واطلاع الروح بنور الهداية، على أن الخلل وقع في العمل لا في العقد والعزيمة وذلك لا يكون إلا من قبل الداعية النفسانية، وهو معنى قوله:
{ فلما رأى قَمِيصه قُد من دُبُر قال إنه من كيدكنّ إنّ كيدكنّ عظيم }.
وقوله: { يوسف أعْرِضْ عن هذا واسْتغفري لِذَنبك } إشارة إلى إشراق نور الروح على القلب وانجذابه إلى جانبه للنازل النوريّ والخاطر الروحي الذي يصرفه عن جهة النفس ويأمره بالإعراض عن عملها ويذكره لئلا يحدث الميل مرة أخرى. وتأثير ذلك الوارد والخاطر في النفس بالتنوير والتصفية فإن تنوّرها بنور الروح المنعكس إليها من القلب استغفارها عن الهيئة المظلمة التي غلبت بها على القلب.