التفاسير

< >
عرض

ٱللَّهُ يَسْتَهْزِئُ بِهِمْ وَيَمُدُّهُمْ فِي طُغْيَانِهِمْ يَعْمَهُونَ
١٥
أُوْلَـٰئِكَ ٱلَّذِينَ ٱشْتَرَوُاْ ٱلضَّلَـٰلَةَ بِٱلْهُدَىٰ فَمَا رَبِحَتْ تِّجَارَتُهُمْ وَمَا كَانُواْ مُهْتَدِينَ
١٦
-البقرة

تفسير القرآن

{ الله يستهزِئُ بِهِم } أي: يستخفهم، لأن الجهة التي هم بها ناسبوا الحضرة الإلهية فيهم خفيفة، ضعيفة. فبقدر ما فنيت فيهم الجهة الإلهية ثبتوا عند أنفسهم، كما أنّ المؤمنين بقدر ما فنيت فيهم أينيتهم النفسانية وجدوا عند الله شتان بين المرتبتين. { ويمدهُم } في ظلماتهم البهيمية والسبعية التي هي الصفات الشيطانية والنفسانية بتهيئة موادّها وأسبابها التي هي مشتهياتهم ومستلذاتهم وأموالهم ومعايشهم من الدنيا التي اختاروها بهواهم في حالة كونهم متحيرين. { في طغيانهم يعمَهُونَ } والعمه: عمى القلب. وطغيانهم: التعدّي عن حدّهم الذي كان ينبغي أن يكونوا عليه، وذلك الحدّ هو المصدر، أي وجه القلب الذي يلي النفس كما أن الفؤاد وجهه الذي يلي الروح، فإنه متوسط بينهما ذو وجهين إليهما. والوقوف على ذلك الحدّ هو التعبد بأوامر الله تعالى ونواهيه، مع التوجه إليه طلباً للتنوّر ليستنير ذلك الوجه فتتنوّر به النفس. كما أنّ الوقوف على الحدّ الآخر هو تلقي المعارف والعلوم والحقائق والحِكَم والشرائع الإلهية ليتنقش بها الصدر، فتتزين به النفس. فالطغيان هو الانهماك في الصفات النفسانية البهيمية والسبعية والشيطانية واستيلاؤها على القلب ليسودّ ويعمى، فتتكدّر الروح.
{ أولئكَ الذين اشْتَروا الضلالةَ بالهُدى } أي: الظلمة، والاحتجاب عن طريق الحق الذي هو الدين، أو عن الحق. فإنّ الضلالة تنقسم بإزاء الهداية بالنور الاستعداديّ الأصليّ. { فما ربِحت تجارتُهُم } إذ كان رأس مالهم من عالم النور والبقاء ليكتسبوا به ما يجانسه من النور الفيضيّ الكماليّ، بالعلوم والأعمال والحكم والمعارف والأخلاق والملكات الفاضلة، فيصيرون أغنياء في الحقيقة، مستحقين للقرب والكرامة والتعظيم والوجاهة عند الله، فما ربحوا بكسبها وضاعت الهداية الأصلية التي كانت بضاعتهم ورأس مالهم بإزالة استعدادهم وتكدير قلوبهم بالرين الموجب للحجاب والحرمان الأبديّ، فخسروا بالخسران السرمديّ، أعاذنا الله من ذلك.