التفاسير

< >
عرض

وَبَشِّرِ ٱلَّذِين آمَنُواْ وَعَمِلُواْ ٱلصَّـٰلِحَٰتِ أَنَّ لَهُمْ جَنَّٰتٍ تَجْرِي مِن تَحْتِهَا ٱلأَنْهَٰرُ كُلَّمَا رُزِقُواْ مِنْهَا مِن ثَمَرَةٍ رِّزْقاً قَالُواْ هَـٰذَا ٱلَّذِي رُزِقْنَا مِن قَبْلُ وَأُتُواْ بِهِ مُتَشَٰبِهاً وَلَهُمْ فِيهَآ أَزْوَٰجٌ مُّطَهَّرَةٌ وَهُمْ فِيهَا خَٰلِدُونَ
٢٥
إِنَّ ٱللَّهَ لاَ يَسْتَحْى أَن يَضْرِبَ مَثَلاً مَّا بَعُوضَةً فَمَا فَوْقَهَا فَأَمَّا ٱلَّذِينَ آمَنُواْ فَيَعْلَمُونَ أَنَّهُ ٱلْحَقُّ مِن رَّبِّهِمْ وَأَمَّا ٱلَّذِينَ كَفَرُواْ فَيَقُولُونَ مَاذَآ أَرَادَ ٱللَّهُ بِهَـٰذَا مَثَلاً يُضِلُّ بِهِ كَثِيراً وَيَهْدِي بِهِ كَثِيراً وَمَا يُضِلُّ بِهِ إِلاَّ ٱلْفَٰسِقِينَ
٢٦
-البقرة

تفسير القرآن

{ وبشر الذينَ آمنُوا } بالصانع وعملوا ما يصلحهم للجنة بمقتضى عملهم بتوحيد الأفعال أن لهم مراداتهم ومشتهياتهم فوق ما تصوّروا وتمنوا، التنكير الجنات، والجنات الجارية من تحتها الأنهار أبهى وأطيب ما يكون من مقام، وألذّ وأحلى ما يكون من مرام لأهل الدنيا، فهي لنفوسهم من جنس جنات الدنيا، وأصفى منها بحسب المعاد الجسمانيّ، فإنه حق كما ستعلم. { كلما رُزِقُوا منها من ثمرةٍ رِزْقاً قالوا هذا الذي رُزِقْنَا من قبل } في الدنيا، فإنها مألوفة { وأُتُوا } بالرزق { مُتَشابهاً } ولقلوبهم هي مقاماتهم، كالتوكل مثلاً، وروضات عالم القدوس التي تنشأ من كل مرتبة منها أنهار علوم تنفع السالكين، وتنفع علّة المتعطشين المشتاقين. والثمرات هي الحكم والمعارف، وقولهم: { هذا الذي رُزِقنا من قبلُ } إشارة إلى أن تلك العلوم والحكم كانت ثابتة للقلب حالة التجرّد، فاحتجبت عنها بالتوغل في الأمور الطبيعية عند التعلق فنسيتها، ثم تذكرت حين تجرّدت عن ملابسها لقوله عليه الصلاة والسلام: "الحكمة ضالة المؤمن" . والأزواج لنفوسهم الحور العين المطهرّة عن الطمث والفواحش، ولقلوبهم النفوس القدسيّة المطهرّة عن دنس الطبائع وكدر العناصر، ولا جنة لأرواحهم لاحتجابهم عن المشاهدة.
{ إن الله لا يَسْتَحِي } لا يمتنع امتناع المستحيي { أن يضرب مثلاً مّا بعوضة فما فوقها } إذ الكافر عنده أحقر من بعوضة، والدنيا من جناحها، كما نطق به الحديث. { أنه الحقّ من ربهم } لمناسبة الممثل به الممثل له { وما يضل به إلا الفاسقِينَ } الذين خرجوا من مقام القلب إلى مقام النفس، ومن طاعة الرحمن إلى طاعة الرحمن الشيطان. وهم الفريق الثاني من الأشقياء لا الفريق الأول، فإنهم ضالون في نفس الأمر على أيّ حال كان لا به ولا بسبب آخر. وإضلالهم به مسبّب عن فسقهم في الحقيقة، إذ ترتيب الحكم على الوصف يشعر بالعليّة وهي زيادة عنادهم وإنكارهم وحقدهم وغلبة صفات نفوسهم على قلوبهم بورود القرآن فيزيدهم بعداً وظلمة على ظلمة.