التفاسير

< >
عرض

قُلْنَا ٱهْبِطُواْ مِنْهَا جَمِيعاً فَإِمَّا يَأْتِيَنَّكُم مِّنِّي هُدًى فَمَن تَبِعَ هُدَايَ فَلاَ خَوْفٌ عَلَيْهِمْ وَلاَ هُمْ يَحْزَنُونَ
٣٨
وَٱلَّذِينَ كَفَرواْ وَكَذَّبُواْ بِآيَٰتِنَآ أُولَـٰئِكَ أَصْحَٰبُ ٱلنَّارِ هُمْ فِيهَا خَٰلِدُونَ
٣٩
يَٰبَنِي إِسْرَائِيلَ ٱذْكُرُواْ نِعْمَتِيَ ٱلَّتِي أَنْعَمْتُ عَلَيْكُمْ وَأَوْفُواْ بِعَهْدِيۤ أُوفِ بِعَهْدِكُمْ وَإِيَّٰيَ فَٱرْهَبُونِ
٤٠
-البقرة

تفسير القرآن

{ قلنا اهْبِطوا منها جميعاً } كرر ذلك الأمر بالهبوط ليفيد أنه هو الذي أراد ذلك ولولا إرادته لما قدر إبليس على إغوائهم، لهذا أسند الإهباط إلى نفسه مجرداً عن التعليق بالسبب بعد إسناد إخراجهما إلى الشيطان، فهو قريب مما قال لنبيه: { وَمَا رَمَيْتَ إِذْ رَمَيْتَ وَلَـٰكِنَّ ٱللَّهَ رَمَىٰ } [الأنفال، الآية: 17] فتفطن منه سرّ قضائه وقدره وبين وجه حكمة الإهباط بتعقيبه بقوله: { فإما يأتينكم مني هُدى فمن تبع هداي فلا خوفٌ عليهم ولا هم يَحزَنُونَ } وإيراده بالفاء إذ لولا الهبوط لما أمكنهم من متابعة الهدى، ولما تميز السعيد والشقيّ، ولا حصل استحقاق الثواب والعقاب، ولبطل دار الجزاء من الجنة والنار، بل ما وجدت. والهدى هو الشرع فمن تبعه أمن سوء العاقبة فلم يخف مما يأتي من العقاب والفناء، وتسلى عن الشهوات واللذات، فلم يحزن على ما فاته من حطام الدنيا ونعيمها لاكتحال بصيرته بنور المتابعة واهتدائه إلى ما لا يقاس بلذات الدنيا من الأذواق الروحانية، والفتوحات السريّة، والمشاهدات القلبية، والعلوم العقلية، والمواجيد النفسية.
{ والذينَ كَفَروا } أي: حجبوا عن الدين لكونه في مقابلة اتباع الهدى. وإردافه بقوله: { وكَذبوا بِآياتِنا أُولئكَ أَصحابُ النارِ } أي: نار الحرمان { هم فيها خالدون * يا بَنِي إسرائيلَ اذكُروا نِعمتي التي أنعمتُ عليكم وأوفُوا بِعَهدي أُوفِ بعهدكم وإيايَ فارهبون } بنو إسرائيل هم أهل اللطف الإلهيّ، وأرباب نعمة الهداية والنبوة، دعاهم باللطف وتذكير النعمة السابقة، والعهد السالف المأخوذ منهم في التوراة بتوحيد الأفعال بعد العهد الأزليّ كما هو عادة الأحباب عند الجفاء.

ألم يك بيننا رحم ووصل وكان بنا المودّة والإخاء

وهذه الدعوة مخصوصة بتوحيد الصفات الذي هو رفع الحجاب الثاني، فهي أخص من الدعوة الأولى العامة لتذكير النعمة الدينية والعهد والتجلّي بصفة المنعم والوليّ، والتهديد على عدم إجابتها بالرهبة التي هي أخصّ من الخوف، فإن الخوف إنما يكون من العقاب، والرهبة من السخط والقهر، والإعراض والاحتجاب والخشية أخص منها لكونها مخصوصة باحتجاب الذات. قال الله تعالى: { { وَيَخْشَوْنَ رَبَّهُمْ وَيَخَافُونَ سُوءَ الحِسَابِ } [الرعد، الآية: 21]. وكذا الهيبة لأنها قرنت بعظمة الذات.