التفاسير

< >
عرض

أَتَأْمُرُونَ ٱلنَّاسَ بِٱلْبِرِّ وَتَنْسَوْنَ أَنْفُسَكُمْ وَأَنْتُمْ تَتْلُونَ ٱلْكِتَٰبَ أَفَلاَ تَعْقِلُونَ
٤٤
وَٱسْتَعِينُواْ بِٱلصَّبْرِ وَٱلصَّلَٰوةِ وَإِنَّهَا لَكَبِيرَةٌ إِلاَّ عَلَى ٱلْخَٰشِعِينَ
٤٥
ٱلَّذِينَ يَظُنُّونَ أَنَّهُم مُّلَـٰقُواْ رَبِّهِمْ وَأَنَّهُمْ إِلَيْهِ رَٰجِعُونَ
٤٦
يَٰبَنِي إِسْرَائِيلَ ٱذْكُرُواْ نِعْمَتِي ٱلَّتِيۤ أَنْعَمْتُ عَلَيْكُمْ وَأَنِّي فَضَّلْتُكُمْ عَلَى ٱلْعَٰلَمِينَ
٤٧
وَٱتَّقُواْ يَوْماً لاَّ تَجْزِي نَفْسٌ عَن نَّفْسٍ شَيْئاً وَلاَ يُقْبَلُ مِنْهَا شَفَٰعَةٌ وَلاَ يُؤْخَذُ مِنْهَا عَدْلٌ وَلاَ هُمْ يُنْصَرُونَ
٤٨
-البقرة

تفسير القرآن

{ أتأمرونَ الناسَ بالبِر } الذي هو الفعل الجميل الموجب لصفاء القلب، وزكاء النفس الزائد منها بالتنوّر { وتَنسَونَ أنفسكم } أفلا تفعلون ما ترتقون به من مقام تجلّي الأفعال إلى تجلّي الصفات { وأنتُم تَتْلُونَ } كتاب فطرتكم الذي يأمركم باتباع محمد في دينه السالك بكم سبيل التوحيد { أفلا تعقِلونَ } تعيير بالغ، وتهييج لحميتهم.
{ واسْتَعينوا } واطلبوا العون والمدد ممن له القدرة، إذ لا قدرة لكم على أفعالكم { بالصبْرِ } على ما تكرهون مما يفعل بكم وتكلفكم ونيتكم به لكي تصلوا إلى مقام الرضا { والصلاة } التي هي حضور القلب لتلقي تجليّات الصفات { وإنها } وإنّ المراقبة أي الحضور القلبيّ { لكبيرةٌ } لشاقة ثقيلة { إلا على الخَاشعينَ } المنكسرة، اللينة قلوبهم لقبول أنوار التجليات اللطيفة واستيلاء سطوات التجليات القهرية، الذين يتيقنون أنهم بحضرة ربهم، أي: حضرة الصفات لدلالة الربّ عليها في حال لقائه، { وأنهم إليهِ راجِعونَ } بفناء صفاتهم ومحوها في صفاته.
كرّر الخطاب ليفيد أنّ الذي هداهم أولاً ولطف بهم وفضلهم على عالمي زمانهم المحجوبين بالهداية إلى رفع الحجاب الأول هو الذي يهديهم ثانياً، فكما لم يرد بهم شرّاً في الهداية الأولى فكذلك في الثانية لا يريد بهم إلا خيراً.
{ واتقوا يوماً لا تَجزِي } أي: حال تجلي صفة القهر حين لا تغني { نَفسٌ عنْ نَفسٍ شَيْئاً } من الإغناء لعدم القدرة لأحد { ولا يُقْبلُ منها شفاعةٌ } لعدم الشفاعة والمدد إذ كلهم مسلوبو الصفات والأفعال، كقوله:

ولا ترى الضب بها ينجحر

{ ولا يؤخذُ منها عدلٌ } أي: فدية لعدم الملك لأحد { ولا هم يُنْصَرونَ } لامتناع القوّة والنصرة لغيره تعالى.