التفاسير

< >
عرض

إِنَّ ٱلَّذِينَ كَفَرُواْ سَوَآءٌ عَلَيْهِمْ ءَأَنذَرْتَهُمْ أَمْ لَمْ تُنْذِرْهُمْ لاَ يُؤْمِنُونَ
٦
خَتَمَ ٱللَّهُ عَلَىٰ قُلُوبِهمْ وَعَلَىٰ سَمْعِهِمْ وَعَلَىٰ أَبْصَٰرِهِمْ غِشَاوَةٌ وَلَهُمْ عَذَابٌ عظِيمٌ
٧
وَمِنَ ٱلنَّاسِ مَن يَقُولُ آمَنَّا بِٱللَّهِ وَبِٱلْيَوْمِ ٱلآخِرِ وَمَا هُم بِمُؤْمِنِينَ
٨
يُخَادِعُونَ ٱللَّهَ وَٱلَّذِينَ آمَنُوا وَمَا يَخْدَعُونَ إِلاَّ أَنْفُسَهُم وَمَا يَشْعُرُونَ
٩
-البقرة

تفسير القرآن

{ إن الذين كفروا } - إلى قوله - { عظيم } هم الفريق الأول من الأشقياء الذين هم أهل القهر الإلهي لا ينجح فيهم الإنذار ولا سبيل إلى خلاصهم من النار، أولئك حقّت عليهم كلمة ربّك أنهم لا يؤمنون، وكذلك حقّت كلمة ربك على الذين كفروا أنهم أصحاب النار، سدّت عليهم الطرق، وأغلقت عليهم الأبواب، إذ القلب هو المشعر الإلهيّ الذي هو محلّ الإلهام، فحجبوا عنه بختمه. والسمع والبصر هما المشعران الأنسيان، أي الظاهران اللذان هما بابا الفهم والاعتبار، فحرموا عن جدواهما لامتناع نفوذ المعنى فيهما إلى القلب، فلا سبيل لهم في الباطن إلى العلم الذوقيّ الكشفيّ ولا في الظاهر إلى العلم التعلميّ والكسبيّ، فحبسوا في سجون الظلمات، فما أعظم عذابهم.
{ ومن الناس من يقول آمنا } هم الفريق الثاني من الأشقياء، سُلِبَ عنهم الإيمان مع ادّعائهم له بقولهم{ آمنا بالله } لأنّ محلّ الإيمان هو القلب لا اللسان.
{ { قَالَتِ ٱلأَعْرَابُ آمَنَّا قُل لَّمْ تُؤْمِنُواْ وَلَـٰكِن قُولُوۤاْ أَسْلَمْنَا وَلَمَّا يَدْخُلِ ٱلإِيمَانُ فِي قُلُوبِكُمْ } [الحجرات، الآية: 14]. ومعنى قولهم: { آمنا بالله وباليوم الآخرِ } ادّعاء على التوحيد والمعاد اللذين هما أصل الدين- وأساسه أي لسنا من المشركين المحجوبين عن الحق ولا من أهل الكتاب المحجوزين عن الدين والمعاد، لأن اعتقاد أهل الكتاب في باب المعاد ليس مطابقاً للحق. واعلم أن الكفر هو الاحتجاب، والحجاب إما عن الحق كما للمشركين وإمّا عن الدين كما لأهل الكتاب، والمحجوب عن الحق محجوب عن الدين الذي هو طريق الوصول إليه ضرورة، وأما المحجوب عن الدين فقد لا يحجب عن الحق، فهؤلاء ادّعوا رفع الحجابين معاً فكذبوا بسلب الإيمان عن ذواتهم، أي ليسوا بمؤمنين ما داموا إياهم يخادعون. والمخادعة استعمال الخدع من الجانبين، وهو إظهار الخير واستبطان الشرّ. ومخادعة الله مخادعة رسوله صلى الله عليه وسلم لقوله: { { مَّنْ يُطِعِ ٱلرَّسُولَ فَقَدْ أَطَاعَ ٱللَّهَ } [النساء، الآية: 80]، وقوله تعالى: { وَمَا رَمَيْتَ إِذْ رَمَيْتَ وَلَـٰكِنَّ ٱللَّهَ رَمَىٰ } [الأنفال، الآية: 17] ولأنه حبيبه.
وقد ورد في الحديث:
"لا يزال العبد يتقرّب إليّ بالنوافل حتى أحبه، فإذا أحببته كنت سمعه الذي به يسمع، وبصره الذي به يبصر، ولسانه الذي به يتكلم، ويده التي بها يبطش، ورجله التي بها يمشي" فخداعهم لله وللمؤمنين إظهار الإيمان والمحبة، واستبطان الكفر والعداوة، وخداع الله والمؤمنين إياهم مسالمتهم وإجراء أحكام الإسلام عليهم بحقن الدماء وحصن الأموال وغير ذلك، وادّخار العذاب الأليم والمآل الوخيم، وسوء المغبة لهم وخزيهم في الدنيا لافتضاحهم بإخباره تعالى وبالوحي عن حالهم لكن الفرق بين الخداعين أنّ خداعهم لا ينجح إلا في أنفسهم بإهلاكها وتحسيرها وإيراثها الوبال والنكال بازدياد الظلمة والكفر والنفاق واجتماع أسباب الهلكة والبعد والشقاء عليها، وخداع الله يؤثر فيهم أبلغ تأثير ويوبقهم أشدّ إيباق، كقوله تعالى: { وَمَكَرُواْ وَمَكَرَ ٱللَّهُ وَٱللَّهُ خَيْرُ ٱلْمَاكِرِينَ } [آل عمران، الآية: 54] وهم من غاية تعمقهم في جهلهم لا يحسون بذلك الأمر الظاهر.