التفاسير

< >
عرض

وَمَا خَلَقْنَا ٱلسَّمَآءَ وَٱلأَرْضَ وَمَا بَيْنَهُمَا بَاطِلاً ذَلِكَ ظَنُّ ٱلَّذِينَ كَفَرُواْ فَوَيْلٌ لِّلَّذِينَ كَفَرُواْ مِنَ ٱلنَّارِ
٢٧
أَمْ نَجْعَلُ ٱلَّذِينَ آمَنُواْ وَعَمِلُواْ ٱلصَّالِحَاتِ كَٱلْمُفْسِدِينَ فِي ٱلأَرْضِ أَمْ نَجْعَلُ ٱلْمُتَّقِينَ كَٱلْفُجَّارِ
٢٨
كِتَابٌ أَنزَلْنَاهُ إِلَيْكَ مُبَارَكٌ لِّيَدَّبَّرُوۤاْ آيَاتِهِ وَلِيَتَذَكَّرَ أُوْلُواْ ٱلأَلْبَابِ
٢٩
وَوَهَبْنَا لِدَاوُودَ سُلَيْمَانَ نِعْمَ ٱلْعَبْدُ إِنَّهُ أَوَّابٌ
٣٠
إِذْ عُرِضَ عَلَيْهِ بِٱلْعَشِيِّ ٱلصَّافِنَاتُ ٱلْجِيَادُ
٣١
فَقَالَ إِنِّيۤ أَحْبَبْتُ حُبَّ ٱلْخَيْرِ عَن ذِكْرِ رَبِّي حَتَّىٰ تَوَارَتْ بِٱلْحِجَابِ
٣٢
رُدُّوهَا عَلَيَّ فَطَفِقَ مَسْحاً بِٱلسُّوقِ وَٱلأَعْنَاقِ
٣٣

تفسير القرآن

{ وما خلقنا السماء والأرض وما بينهما } خلقاً { باطلاً } لا حق فيها، بل حقاً محتجباً بصورها لا وجود لها بنفسها فتكون باطلاً محضاً.
{ ذلك ظنّ } المحجوبين عن الحق بمظاهر الكون { فويل } لهم من نار الحرمان والاحتجاب والتقلّب في نيران الطبيعة والأنائية بأشدّ العذاب.
بل لم نجعل { الذين آمنوا } بشهود جماله في مظاهر الأكوان { وعملوا الصالحات } من الأعمال المقصودة بذاتها، المتعلقة بصلاح العالم، الصادرة عن أسمائه { كالمفسدين } المحجوبين الفاعلين بأنفسهم وصفاتهم الأفعال البهيمية والسبعية والشيطانية في أرض الطبيعة { أم نجعل المتّقين } المجرّدين عن صفاتهم { كالفجّار } المتلبسين بالغواشي النفسانية والشيطانية في أعمالهم { ليدّبروا آياته } بالنظر العقلي ما داموا في مقام النفس، فينخلعوا عن صفاتهم في متابعة صفاته { وليتذكر } حال العهد الأول والتوحيد الفطري عند التجرّد { أولو } الحقائق المجرّدة الصافية عن قشر الخلقة.
ثم ذكر تلوين سليمان وابتلاءه تأكيداً لتثبيته، وتقوية له في استقامته وتمكينه { نِعْم العبد } لصلاحية استعداده للكمال النوعي الإنساني وهو مقام النبوّة { إنه أوّاب } رجّاع إليّ بالتجريد.
{ إذ عرض عليه بالعشيّ } وقت قرب غروب شمس الروح في الأفق الجسماني بميل القلب إلى النفس وظهور ظلمتها بالميل إلى المال واستيلاء محبة الجسمانيات واستحسانها، كما قال الله تعالى:
{ زُيِّنَ لِلنَّاسِ حُبُّ ٱلشَّهَوَاتِ } [آل عمران، الآية: 14] إلى قوله: { وَٱلْخَيْلِ ٱلْمُسَوَّمَةِ وَٱلأَنْعَامِ وَٱلْحَرْثِ }. فإنّ الميل إلى الزخارف الدنيوية والمشتهيات الحسيّة وهوى اللذات الطبيعية والأجرام السفلية يوجب إعراض النفس عن الجهة العلوية، واحتجاب القلب عن الحضرة الإلهية { الصافنات الجياد } التي استعرضها وانجذب بهواها وأحبها { فقال إني أحببت حب الخير } أي: أحببت منيباً حبّ المال { عن ذِكْر ربّي } مشتغلاً به لمحبتي إياه كما يجب لمثلي أن يشتغل بربّه ذاكراً محبّاً له، فاستبدلت محبة المال بذكر ربّي ومحبته فذهلت عنه { حتى توارت } شمس الروح بحجب النفس { ردّوها عليّ فطفق مسحاً بالسوق والأعناق } أي: يمسح السيف مسحاً بسوقها يعرقب بعضها وينحر بعضها، كسراً لأصنام: النفس التي تعبدها بهواها وقمعاً لسورتها وقواها، ورفعاً للحجاب الحائل بينه وبين الحق واستغفاراً وإنابة إليه بالتجريد والترك.