التفاسير

< >
عرض

وَمِنَ ٱلَّذِينَ قَالُواْ إِنَّا نَصَارَىٰ أَخَذْنَا مِيثَاقَهُمْ فَنَسُواْ حَظّاً مِّمَّا ذُكِرُواْ بِهِ فَأَغْرَيْنَا بَيْنَهُمُ ٱلْعَدَاوَةَ وَٱلْبَغْضَآءَ إِلَىٰ يَوْمِ ٱلْقِيَامَةِ وَسَوْفَ يُنَبِّئُهُمُ ٱللَّهُ بِمَا كَانُواْ يَصْنَعُونَ
١٤
يَا أَهْلَ ٱلْكِتَابِ قَدْ جَآءَكُمْ رَسُولُنَا يُبَيِّنُ لَكُمْ كَثِيراً مِّمَّا كُنْتُمْ تُخْفُونَ مِنَ ٱلْكِتَابِ وَيَعْفُواْ عَن كَثِيرٍ قَدْ جَآءَكُمْ مِّنَ ٱللَّهِ نُورٌ وَكِتَابٌ مُّبِينٌ
١٥
يَهْدِي بِهِ ٱللَّهُ مَنِ ٱتَّبَعَ رِضْوَانَهُ سُبُلَ ٱلسَّلاَمِ وَيُخْرِجُهُمْ مِّنِ ٱلظُّلُمَاتِ إِلَى ٱلنُّورِ بِإِذْنِهِ وَيَهْدِيهِمْ إِلَىٰ صِرَاطٍ مُّسْتَقِيمٍ
١٦
لَّقَدْ كَفَرَ ٱلَّذِينَ قَآلُوۤاْ إِنَّ ٱللَّهَ هُوَ ٱلْمَسِيحُ ٱبْنُ مَرْيَمَ قُلْ فَمَن يَمْلِكُ مِنَ ٱللَّهِ شَيْئاً إِنْ أَرَادَ أَن يُهْلِكَ ٱلْمَسِيحَ ٱبْنَ مَرْيَمَ وَأُمَّهُ وَمَن فِي ٱلأَرْضِ جَمِيعاً وَللَّهِ مُلْكُ ٱلسَّمَٰوَٰتِ وَٱلأَرْضِ وَمَا بَيْنَهُمَا يَخْلُقُ مَا يَشَآءُ وَٱللَّهُ عَلَىٰ كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ
١٧
وَقَالَتِ ٱلْيَهُودُ وَٱلنَّصَٰرَىٰ نَحْنُ أَبْنَٰؤُاْ ٱللَّهِ وَأَحِبَّٰؤُهُ قُلْ فَلِمَ يُعَذِّبُكُم بِذُنُوبِكُم بَلْ أَنتُمْ بَشَرٌ مِمَّنْ خَلَقَ يَغْفِرُ لِمَن يَشَآءُ وَيُعَذِّبُ مَن يَشَآءُ وَللَّهِ مُلْكُ ٱلسَّمَٰوَٰتِ وَٱلأَرْضِ وَمَا بَيْنَهُمَا وَإِلَيْهِ ٱلْمَصِيرُ
١٨
يَا أَهْلَ ٱلْكِتَابِ قَدْ جَآءَكُمْ رَسُولُنَا يُبَيِّنُ لَكُمْ عَلَىٰ فَتْرَةٍ مِّنَ ٱلرُّسُلِ أَن تَقُولُواْ مَا جَآءَنَا مِن بَشِيرٍ وَلاَ نَذِيرٍ فَقَدْ جَاءَكُمْ بَشِيرٌ وَنَذِيرٌ وَٱللَّهُ عَلَىٰ كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ
١٩
وَإِذْ قَالَ مُوسَىٰ لِقَوْمِهِ يَاقَوْمِ ٱذْكُرُواْ نِعْمَةَ ٱللَّهِ عَلَيْكُمْ إِذْ جَعَلَ فِيكُمْ أَنْبِيَآءَ وَجَعَلَكُمْ مُّلُوكاً وَآتَاكُمْ مَّا لَمْ يُؤْتِ أَحَداً مِّن ٱلْعَٱلَمِينَ
٢٠
يَٰقَوْمِ ٱدْخُلُوا ٱلأَرْضَ ٱلمُقَدَّسَةَ ٱلَّتِي كَتَبَ ٱللَّهُ لَكُمْ وَلاَ تَرْتَدُّوا عَلَىٰ أَدْبَارِكُمْ فَتَنْقَلِبُوا خَٰسِرِينَ
٢١
قَالُوا يَامُوسَىٰ إِنَّ فِيهَا قَوْماً جَبَّارِينَ وَإِنَّا لَن نَّدْخُلَهَا حَتَّىٰ يَخْرُجُواْ مِنْهَا فَإِن يَخْرُجُواْ مِنْهَا فَإِنَّا دَاخِلُونَ
٢٢
-المائدة

تفسير القرآن

{ فأغرينا بينهم العداوة والبغضاء } أي: الزمناهم ذلك لتخالف دواعي قواهم السبعية والبهيمية والشيطانية وميلهم إلى الجهة السفلية الموجب للتضاد والتعاند لاحتجابهم عن نور التوحيد وبعدهم عن العالم القدسي الذي فيه المقاصد كلية لا تقتضي التجاذب والتعاند إلى وقت قيامهم بظهور نور الروح والقيامة الكبرى بظهور نور التوحيد { ينبئهم الله } بعقاب ما صنعوا عند الموت وظهور الحرمان والخسران بظهور الهيآت القبيحة المؤذية الراسخة فيهم.
{ لقد كفر الذين قالوا إنّ الله هو المسيح } بأن حصروا الألوهية فيه وقيدوا الإله بتعينه { أن يهلك المسيح ابن مريم } إلى قوله { جميعاً } بالإفناء في التوحيد والطمس في غير الجمع كما قال:
{ كُلُّ شَيْءٍ هَالِكٌ إِلاَّ وَجْهَهُ } [القصص، الآية: 88].
{ ولله مُلْك السموات } أي: عالم الأرواح { والأرض } عالم الأجساد { وما بينهما } من الصور والأعراض كلها ظاهرة وباطنة وأسماؤه وصفاته وأفعاله { ادخلوا الأرض المقدّسة } أي: حضرة القلب التي هي مقام تجلي الصفات، فإنه بالنسبة إلى سماء الروح أرض { كتب الله لكم } عين لكم في القضاء السابق وأودع في استعدادكم الوصول إليها والمقام بها { ولا ترتدّوا على أدباركم } في الميل إلى مدينة البدن والإقبال عليه بتحصيل مآربه ولذاته وطلب موافقته وتزيين هيآته فإنه مقام خلف مقامكم وأدنى وأسفل من رتبتكم { فتنقلبوا خاسرين } باستبدال ظلمات البدن بأنوار القلب وخبائثه بطيباته { إنّ فيها قوماً جبّارين } من سلطان الوهم وأمراء الهوى والغضب والشهوة وسائر صفات النفس الفرعونية أخذوها عنوة وقهراً واستولوا عليها مستعلين يجبرون كلاً على هواهم ما لنا بهم يدان ولا نقدر على مقاومتهم، قالوا ذلك لاعتيادهم بالذات الطبيعية والشهوات الجسمانية وغلبة الهوى عليهم، فلم يقدروا على الرياضة وقمع الهوى وكسر صفات النفس بالمجاهدة { وإنّا لن ندخلها حتى يخرجوا منها } أي: يصرفهم الله عنها بلا رياضة منا ومجاهدة أو ينصرفوا بالطبع مع إحالته أو يضعفوا عن الاستيلاء كما في الشيخوخة مع امتناع دخولهم فيها حينئذ.