التفاسير

< >
عرض

لَئِن بَسَطتَ إِلَيَّ يَدَكَ لِتَقْتُلَنِي مَآ أَنَاْ بِبَاسِطٍ يَدِيَ إِلَيْكَ لأَقْتُلَكَ إِنِّيۤ أَخَافُ ٱللَّهَ رَبَّ ٱلْعَالَمِينَ
٢٨
إِنِّيۤ أُرِيدُ أَن تَبُوءَ بِإِثْمِي وَإِثْمِكَ فَتَكُونَ مِنْ أَصْحَابِ ٱلنَّارِ وَذَلِكَ جَزَآءُ ٱلظَّالِمِينَ
٢٩
فَطَوَّعَتْ لَهُ نَفْسُهُ قَتْلَ أَخِيهِ فَقَتَلَهُ فَأَصْبَحَ مِنَ ٱلْخَاسِرِينَ
٣٠
فَبَعَثَ ٱللَّهُ غُرَاباً يَبْحَثُ فِي ٱلأَرْضِ لِيُرِيَهُ كَيْفَ يُوَارِي سَوْءَةَ أَخِيهِ قَالَ يَاوَيْلَتَا أَعَجَزْتُ أَنْ أَكُونَ مِثْلَ هَـٰذَا ٱلْغُرَابِ فَأُوَارِيَ سَوْءَةَ أَخِي فَأَصْبَحَ مِنَ ٱلنَّادِمِينَ
٣١
-المائدة

تفسير القرآن

{ ما أنا بباسط يدي إليكَ لأقتلك } لأني لا أبطل أعمالك التي هي شديدة في مواضعها من المحسوسات ولا أقطع عنك حياتك التي هي مدد النفس والهوى ولا أمنعك عن فعلك الخاص بك إذ العقل يعلم أنّ المصالح الجزئية وأحكام المحسوسات والمعاني الجزئية المعلقة بها وترتيب أسباب المعاش كلها لا تحصل ولا تتيسر إلا بالوهم ولولا الرجاء وحصول الأماني والآمال الصادرة عن الوهم لم يتيسر لأحد ما يتمعش به { إني أخاف الله ربّ العالمين } لأني أعرفه، وقال: { { إِنَّمَا يَخْشَى ٱللَّهَ مِنْ عِبَادِهِ ٱلْعُلَمَاءُ } [فاطر، الآية: 28] واعلم بأنه إنما خلقك لشأن وأوجدك لحكمة، فلا أتعرّض له في ذلك { إني أريد أن تبوء } بإثم قتلي وإثم قتلك من الآراء الباطلة والتصوّرات الفاسدة التي لم يتقبل قربانك لأجلها { فتكون من أصحاب } نار الحجبة والحرمان { وذلك جزاء الظالمين } الواضعين الأشياء في غير موضعها كوضعك الأحكام الحسيّة في المعقولات.
{ فطوّعت } فسهلت وسوّلت { له نَفْسه قَتْل أخيه فَقَتَله } بمنعه عن أفعاله الخاصة وحجبه عن نور الهداية { فأصبح من الخَاسِرِينَ } لتضرره باستيلائه على العقل واستبدال ضلالته وخطئه بهداية العقل وصوابه، فإنّ الوهم إذا انقطع عن معاضدة العقل حمل النفس بأنواع التسويلات والتزيينات على إقدام أمور يتضرّر به النفس والبدن جميعاً، كالإسرافات المذمومة من باب اللذات البهيمية، والسبعية مثل شدّة الحرص في طلب المال والجاه والإفراط فيضعف الوهم أيضاً أو يبطل { فبعث الله } غراب الحرص { يبحث في } أرض النفس { لِيُرِيه كيفَ يُوَارِي سَوْأة أخِيه } أي: الوهم، إذ بقطع العقل عن نور الهداية وحجبها عن السير في العالم العلوي لتحصيل الكمال وطلب سعادة المآل تحير في أمره، فانبعث الحرص فهداه في تيه الضلالة وأراه كيف يواري ويدفع عورته أي: جثته المقتولة التي حملها الوهم على ظهره حتى أنتنت فصار عقل المعاش في تراب الأرض وهو صورة العقل المنقطع عن حياة الروح المشوب بالوهم والهوى المحجوب عن عالمه في ظلمات أرض النفس المدفون فيها تأكله ديدان القوى الطبيعية باستعمالها في تحصيل لذاتها ومطالبها { أعجزت أن أكون مثل هذا الغراب } الذي دفن فرخه أي: داعيته أو كماله في أرض النفس بإفناء ما يحصل له وكتمانه فيها { فأواري سَوْأة أخي } بإخفائها في ظلمة النفس فأنتفع بها { فأصبح من النادمين } عند الخسران وحصول الحرمان.