التفاسير

< >
عرض

وَهُوَ ٱلَّذِيۤ أَنزَلَ مِنَ ٱلسَّمَآءِ مَآءً فَأَخْرَجْنَا بِهِ نَبَاتَ كُلِّ شَيْءٍ فَأَخْرَجْنَا مِنْهُ خَضِراً نُّخْرِجُ مِنْهُ حَبّاً مُّتَرَاكِباً وَمِنَ ٱلنَّخْلِ مِن طَلْعِهَا قِنْوَانٌ دَانِيَةٌ وَجَنَّٰتٍ مِّنْ أَعْنَابٍ وَٱلزَّيْتُونَ وَٱلرُّمَّانَ مُشْتَبِهاً وَغَيْرَ مُتَشَٰبِهٍ ٱنْظُرُوۤاْ إِلِىٰ ثَمَرِهِ إِذَآ أَثْمَرَ وَيَنْعِهِ إِنَّ فِي ذٰلِكُمْ لأَيَٰتٍ لِّقَوْمٍ يُؤْمِنُونَ
٩٩
وَجَعَلُواْ للَّهِ شُرَكَآءَ ٱلْجِنَّ وَخَلَقَهُمْ وَخَرَقُواْ لَهُ بَنِينَ وَبَنَٰتٍ بِغَيْرِ عِلْمٍ سُبْحَٰنَهُ وَتَعَٰلَىٰ عَمَّا يَصِفُونَ
١٠٠
بَدِيعُ ٱلسَّمَٰوَٰتِ وَٱلأَرْضِ أَنَّىٰ يَكُونُ لَهُ وَلَدٌ وَلَمْ تَكُنْ لَّهُ صَٰحِبَةٌ وَخَلَقَ كُلَّ شَيْءٍ وهُوَ بِكُلِّ شَيْءٍ عَلِيمٌ
١٠١
-الأنعام

تفسير القرآن

{ وهو الذي أنزل } من سماء الروح ماء العلم { فأخرجنا به نبات } كل صنف من الأخلاق والفضائل { فأخرجنا } من النبات هيئة خضرة النفس وزينة حسنة جميلة وبهجة بالعلم والخلق { نخرج } من تلك الهيئة والنفس الطرية الغضة أعمالاً مترتبة شريفة مرضية، ونيّات صادقة يتقوّى بها القلب، ومن نخل العقل من ظهور تعلقها معارف وحقائق قريبة التناول لظهورها بنور الروح كأنها بديهية { وجنّات من أعْنَاب } الأحوال والأذواق وخصوصاً أنواع المحبة القلبية المسكر عصيرها وسلافها، وزيتون التفكّر، ورمّان التوهمات الصادقة التي هي الهمم الشريفة، والعزائم النفيسة { مشتبهاً } بعضها ببعض كالتعقلات والتفكرات والمعارف والحقائق والأعمال والنيّات وكمحبة الذات ومحبة الصفات { وغير متشابه } كأنواع المحبة مع الأعمال مثلاً، أو مشتبهاً في رتبتها وقوتها وضعفها وجلائها وخفائها وغير متشابه فيه { انظُروا إلى ثمره إذا أثمر } وراعوه بالمراقبة عند السلوك وبدء الحال، وليكن نظركم من اللذات إلى هذه الثمرات { وينعه } وكماله عند الوصول بالحضور { إن في ذلكم لآيات لقوم يؤمنون } بالإيمان العلميّ، ويوقنون هذه الآيات والأحوال التي عدّدناها.
{ وجعلوا لله شركاء الجنّ } أي: جعلوا جنّ الوهم والخيال شركاء لله في طاعتهم لها وانقيادهم. وقد علموا أنّ الله خلقهم فكيف يعبدون غيره { وخرقوا له } اختلقوا بالافتراء المحض { بنين } من العقول { وبنات } من النفوس يعتقدون أنها مؤثرات ومجرّدات مثله تولّدت منه { بغير علم } منهم أنها أسماؤه وصفاته لا تؤثر إلا به { سبحانه وتعالى } تنزّه عن أن يكون وجوداً مجرداً مخصوصاً بتعين خاص واحداً من الموجودات المتعينة يصدر عنه وجودات العقول المجرّدة والنفوس وتعاظم { عمّا يصفون } به علوّاً كبيراً.
{ بدِيع السموات والأرض } أي: عديم النظير والمثل في سموات عالم الأرواح وأرض عالم الأجساد { أنى يكون له ولد } أي: كيف يماثله شيء { ولم تكن له صاحبة } لأن الصاحبة لا تكون إلا متجانسة وهو لا يجانس شيئاً، وإذا لم يجانس شيئاً لم يماثله فلم يكن له مثل يتولد منه { وخلق كل شيء } بتخصيصه يتعين في ذاته وإيجاده بوجوده لا بأنه موجود مثله { وهو بكل شيء عليم } يحيط علمه بالعقول والنفوس وغيرها كما يحيط وجوده بها وهي محاطة لا تحيط بعلمه ولا تعلم إلا بعلمه ولا توجد إلا بوجوده فلا تماثله لأنها بأنفسها معدومة، وأنى يماثل المعدوم الموجود المطلق.