التفاسير

< >
عرض

ٱلرَّحْمـٰنِ ٱلرَّحِيمِ
٣
-الفاتحة

روح البيان في تفسير القرآن

{ الرحمن الرحيم } فى التكرار وجوه. احدها ما سبق من ان رحمتى البسملة ذاتيتان ورحمتى الفاتحة صفاتيتان كماليتان والثانى ليعلم ان البسملة ليست من الفاتحة ولو كانت منها لما اعادهما لخلوا الإعادة عن الفائدة والثالث انه ندب العباد الى كثرة الذكر فان من علامة حب الله حب ذكر الله وفى الحديث "من احب شيئا اكثر ذكره"
. والرابع انه ذكر رب العالمين فبين ان رب العالمين هو الرحمن الذى يرزقهم فى الدنيا الرحيم، الذى يغفر لهم فى العقبى ولذلك ذكر بعده مالك يوم الدين يعنى ان الربوبية اما بالرحمانية وهى رزق الدنيا وما بالرحيمية وهى المغفرة فى المغفرة فى العقبى والخامس انه ذكر الحمد وبالحمد تنال الرحمة فان اول من حمد الله تعالى من البشر آدم عطس فقال الحمد لله واجيب للحال يرحمك ربك ولذلك خلقك فعلم خلقه الحمد وبين انهم ينالون رحمته بالحمد. والسادس ان التكرار للتعليل لان ترتيب الحمد على هذه الأوصاف امارة علية مأخذها فالرحمانية والرحيمية من جملتها لدلالتهما على انه مختار في الاحسان لا موجب وفى ذلك استيفاء اسباب استحقاق الحمد من فيض الذات برب العالمين وفيض الكمالات بالرحمن الرحيم ولا خارج عنهما فى الدنيا وفيض الاثوبة لطفا والأجزية عدلا فى الآخرة ومن هذا يفهم وجه ترتيب الاوصاف الثلاثة. والفرق بين الرحمن والرحيم اما باختصاص الحق بالاول او بعمومه او بجلائل النعم فعلى الاول هو الرحمن بما لا يصدر جنسه من العباد والرحيم بما يتصور صدوره منهم فذا كما روى عن ذى النون قدس سره وقعت ولولة فى قلبى فخرجت الى شط النيل فرأيت عقربا يعدو فتبعته فوصل الى ضفدع على الشط فركب ظهره وعبر به النيل فركبت السفينة واتبعته فنزل وعدا الى شاب نائم واذا افعى بقربه تقصده فتواثبا وتلادغا وماتا وسلم النائم – ويحكى – ان ولد الغراب اذا خرج من القشر يكون كلحم احمر ويفر الغراب منه فيجتمع عليه البعوض فليتقمه الى ان ينبت ريشه فعند ذلك تعود الام اليه ولهذا قيلا يا رازق النعاب فى عشه واما على ان الرحمن عام فقيل كيف ذلك وقلما يخلو أحد بل حالة له عن نوع بلوى قلنا الحوادث منها ما يظن انه رحمة ويكون نقمة وبالعكس قال الله تعالى { فعسى أن تكرهوا شيئاً } [النساء: 19] الآية فالاول كما قال

ان الشاب والفراغ والجده مفسدة للمرء أى مفسده

وكل منها فى الظاهر نعمة والثانى كحبس الولد فى المكتب وحمله على التعليم بالضرب وكقطع اليد المتأكلة فالابله يعتبر بالظواهر والعاقل ينظر الى السرائر فما من بلية ومحنة الا وتحتها رحمة ومنحة وترك الخير الكثير للشر القليل شر كبير فالتكاليف لتطهير الارواح عن العلائق الجسدانية وخلق النار لصرف الاشرار الى اعمال الابرار وخلق الشيطان لتميز المخلصين من العباد فشأن المحقق ان يبنى على الحقائق كالخضر عليه السلام فى قصة موسى عليه السلام معه فكل ما يكره الطبع فتحته اسرار خفية وحكمة بالغة فلولا الرحمة وسبقها للغضب لم يكن وجود الكون ولما ظهر للاسم المنعم عين وإما على ان الرحمن لجلائل النعم فانما اتبعه بالرحيم لدفع توهم ان يكون طلب العبد الشيء اليسير سوء ادب كما قيل لبعضهم جئتك لحاجة يسيرة قال اطلب لها رجلا يسيرا فكأن الله يقول لو اقتصرت على الرحمن لاحتشمت عني ولكنى رحيم فاطلب منى حتى شراك نعلك وملح قدرك: قال الشيخ السعدى قدس سره العزيز

محالست اكر سربرين درنهى كه باز آيدت سدت حاجت تهى

قال اهل الحقيقة الحضرات الكلية المختصة بالرحمن صلاة حضرة الظهور وحضرة البطون وحضرة الجمع وكل موجود فله هذه المراتب ولا يخلو عن حكمها وعلى هذه المراتب تنقسم احكام الرحمة فى السعداء والاشقياء والمتنعمين بنفوسهم دون ابدانهم كالارواح المجردة وبالعكس والجامعين بين الامرين وكذا من اهل الجنة منهم سعداء من حيث نفوسهم بعلومهم دون صورهم لكونهم لم يقدموا فى الجنة الاعمال ما يستوجبون به النعيم الصورى وان كان فنزر يسير بالنسبة الى من سواهم وعكس ذلك كالزهاد والعباد الذين لا علم لهم فان ارواحهم قليلة الحظ من النعيم الروحانى لعدم المناسب بينهم وبين الحضرات العلمية الآلهية ولهذا لم تتعلق هممهم زمان العمل بما وراء العمل بل ظنوه الغاية فوقفوا عنده واقتصروا عليه رغبة فيما وعدوا به ورهبة مما حذروا منه واما الجامعون بين النعيمين تماماً فهم الفائزون بالحظ الكامل فى العلم والعمل كالرسل عليهم الصلاة والسلام ومن كملت وراثته منهم اعنى الكمل من الاولياء: قال المولى جلال الدين قدس سره

هركبوتر مى برد در مذهبى وين كبوتر جانب بى جانبى