التفاسير

< >
عرض

ٱهْدِنَا ٱلصِّرَاطَ ٱلْمُسْتَقِيمَ
٦
-الفاتحة

روح البيان في تفسير القرآن

{ اهدنا الصراط المستقيم } بيان المعونة المطلوبة كانه قيل كيف اعينك فقالوا اهدنا الصراط المستقيم وايضا ان التعقيب بالدعاء بعد تمام العبادة قاعدة شرعية. قال فى التيسير { إياك نعبد } [الفاتحة: 5].
اظهار التوحيد { واياك نستعين } طلب العون عليه وقوله { اهدنا } لسؤال الثبات على دينه وهو تحقيق عبادته واستعانته وذلك لان الثبات على الهداية اهم الحاجات اذ هو الذى سأله الانبياء والاولياء كما قال يوسف عليه السلام توفنى مسلما وسحره فرعون توفنا مسلمين والصحابة وتوفنا مع الابرار وذلك لانه لا ينبغى ان يعتمد على ظاهر الحال فقد يتغير فى المآل كما لابليس وبرصيصا وبلعم بن باعورا: قالوا المولى جلال الدين قدس سره

صد هزار ابليس وبلعم درجهان همجنين بودست بيدا ونهان
اين دورا مشهور كرد انيداله تاكه باشند اين دوبرباقى كواه
اين دور درزد آويخت بردا بلند ورنه اندر قهر بس درزدان بدند

وفى تفسر القاضى اذا قاله العارف الواصل الى الله عنى به ارشدنا طريق السير فيك لتمحو عنا ظلمات احوالنا وتميط غواشى ابداننا لنستضيء بنور قدسك فنراك بنورك. قال المولى الفنارى ومبناه ان السير فى الله غير متناه كما قال قطب المحققين ولا نهاية للمعلومات والمقدورات فما دام معلوم او مقدور فالشوق للعبد لا يسكن ولا يزول واصل الهداية ان يعدى باللام أو إلى فعومل معاملة اختار فى قوله تعالى { واختار موسى قومه } [الأعراف: 155].
والصراط المستقيم استعارة عن ملة الاسلام والدين الحق تشبيها لوسيلة المقصود بوسيلة المقصد او لمحل التوجه الروحانى بمحل التوجه الجسمانى وانما سمى الدين صراطا لان الله سبحانه وان كان متعاليا عن الامكنة لكن العبد الطالب لا بد له من قطع المسافات ومس الآفات وتحمل المجافاة ليكرم لوصول والموافاة.
ثم فى قوله
{ اهدنا الصراط المستقيم } [الفاتحة: 6].
مع انه مهتد وجوه الاول ان لا بد بعد معرفة الله تعالى والاهتداء بها من معرفة الخط المتوسط بين الافراط والتفريط فى الاعمال الشهوية والغضبية وانفاق المال والمطلوب ان يهديه الى الوسط والثانى انه وان عرف الله بدليل فهناك ادلة اخرى فمعنى اهدنا عرفنا ما فى كل شئ من كيفية دلالته على ذاتك وصفاتك وافعالك. والثالث ان معنا بموجب قوله تعالى
{ وأن هذا صراطي مستقيما } [الأنعام: 153].
طلب الاعراض عما سوى الله وان كان نفسه والاقبال بالكلية عليه حتى لو امر بذبح ولده كابراهيم عليه السلام او بان ينقاد للذبح كاسماعيل عليه السلام او بأن يرمي نفسه في البحر كيونس عليه السلام أو بأن يتلمذ مع بلوغه اعلى درجات الغايات كموسى او بان يصير في الأمر بالمعروف على القتل والشق بنصفين كيحيى وزكريا عليهما السلام فعل وهذا مقام هائل الا ان فى قوله
{ صراط الذين أنعمت عليهم } [الفاتحة: 7] دون ان يقول صراط الذين ضربوا وقتلوا تيسيرا ما وترغيبا الى مقام الانبياء والاولياء من حيث انعامهم ثم الاستقامة الاعتدالية ثم الثبات عليها امر صعب ولذا قال النبى صلى الله عليه وسلم "شيبتنى هود واخواتها" .
حيث ورد فيها فاستقم كما امرت فان الانسان من حيث نشأته وقواه الظاهرة والباطنة مشتمل على صفات واخلاق طبيعية وروحانية ولكل منها طرفا افراط وتفريط والواجب معرفة الوسط من كل ذلك والبقاء عليه وبذلك وردت الاوامر ونطقت الآيات كقوله تعالى { ولا تجعل يدك مغلولة } [الإسراء: 29].
الآية حرضة على الوسط بين البخل والاسراف وكقوله صلى الله عليه وسلم لمن سأله مستشيرا فى الترهيب وصيام الدهر وقيام الليل كله بعد زجره اياه
"ان لنفسك عليك حقا ولزوجك عليك حقا ولزورك عليك حقا فصم وافطر وقم ونمbr>" . وهكذا فى الاحوال كلها نحو قوله تعالى { ولا تجهر بصلاتكَ ولا تخافت بها } [الإسراء: 110] ولم يسرفوا ولم يقتروا وكان بين ذلك قواما. { ما زاغ البصر وما طغى } [النجم: 17].
"ولما رأى صلى الله عليه وسلم عمر رضى الله عنه يقرأ رافعا صوته سأله فقال اوقظ الوسنان واطرد الشيطان قال عليه السلام اخفض من صوتك قليلا واتى اباك بكر رضى الله عنه فوجده يقرأ خافضا صوته فسأله فقال قد اسمعت من ناجيت فقال عليه السلام ارفع من صوتك قليلا" وهكذا الامر فى باقى الاخلاق فان الشجاعة صفة متوسطة بين الهور والجبن والبلاغة بين الايجاز المجحف والاطناب المفرط وشريعتنا قد تكلفت بيان ميزان الاعتدال فى كل ترغيب وترهيب وحال وحكم وصفة وخلق حتى عينت للمذمومة مصارف اذا استعملت فيها كانت محمودة كالمنع لله والبغض لله.
والمستقيم على اقسام منها مستقيم بقوله وفعله وقلبه ومستقيم بقلبه وفعله دون قوله اى لم يعلم احدا ولهذين الفوز والاول اعلى ومستقيم بفعله وقوله دون قلبه وهذا يرجى له النفع بغيره ومنها مستقيم بقوله وقلبه دون فعله ومستقيم بقوله دون فعله وقلبه ومستقيم بقلبه دون قوله وفعله ومستقيم بفعله دون قوله وقلبه وهؤلاء الاربعة عليهم لا لهم وان كان بعضهم فوق بعض ولبس المراد بالاستقامة بالقول ترك الغيبة والنميمة وشبههما فان الفعل يشتمل ذلك.
انما المراد بها ارشاد الغير الى الصراط المستقيم وقد يكون عريا مما يرشد اليه مثال اجتماعها رجل تفقه فى امر صلاته وحققها ثم علمها غيره فهذا مستقيم فى قوله ثم حضر وقتها فاداها على ما علمها محافظا على اركانها الظاهرة فهذا مستقيم فى فعله ثم علم ان مراد الله منه من تلك الصلاة حضور قلبه معه فاحضره فهذا مسقتيم بقلبه وقس على ذلك بقية الاقسام.
وفى التأويلات النجمية ان اقسام الهداية ثلاثة.
الاولى هداية العامة أي عامة الحيوانات الى جلب منافعها وسلب مضارها واليه اشار بقوله تعالى
{ أعطى كل شئ خلقه ثم هدى } [طه: 50].
وقوله
{ وهديناه النجدين } [البلد: 10].
والثانية هداية الخاصة اى للمؤمنين الى الجنة واليه الاشارة بقوله تعالى
{ يهديهم ربهم بإيمانهم } [يونس: 9] الآية.
والثالثة هداية الاخص وهى هداية الحقيقة الى الله بالله وإليه الاشارة بقوله تعالى
{ قل إن هدى الله هو الهدى } [البقرة: 120].
وقوله
{ وقال إنى ذاهب إلى ربى سيهدين } [الصافات: 99].
وقوله
{ الله يجتبى إليه من يشاء ويهدى إليه من ينيب } [الشورى: 13] وقوله { ووجدك ضالا فهدى } [الضحى: 7].
اى كنت ضالا فى تيه وجودك فطلبتك بجودى ووجدتك بفضلى ولطفى وهديتك بجذبات عنايتى ونور هدايتى الى وجعلتك نورا فاهدى بك الى من اشاء من عبادى فمن اتبعك وطلب رضاك فنخرجهم من ظلمات الوجود البشرى الى نور الوجود الروحانى ونهديهم الى صراط مستقيم كما قال تعالى
{ قد جاءكم من الله نور وكتاب مبين يهدى به الله } [المائدة: 15] والصراط المستقيم هو الدين القويم وهو ما يدل عليه القرآن العظيم وهو خلق سيد المرسلين صلى الله عليه وسلم فيما قال تعالى { وإنك لعلى خلق عظيم } [القلم: 4] ثم هو اما الى الجنة وذلك لاصحاب اليمين كما قال تعالى { والله يدعوا إلى دار السلام } [يونس: 25].
الآية واما الى الله تعالى وهذا للسابقين المتقربين كما قال تعالى
{ إلى صراط مستقيم صراط الله } [الشورى: 52-53] وكل ما يكون لاصحاب اليمين يحصل للسابقين وهم سابقون على اصحاب اليمين بمالهم من شهود الجمال وكشف الجلال وهذا خاصة لسيد المرسلين ومتابعيه كما قال تعالى { قل هذه سبيلى أدعوا إلى الله على بصيرة أنا ومن اتبعنى } : [يوسف: 108].
قال الشيخ سعدى قدس سره

اكر جز بحق مى رود جاده ات در آتش فشانند سجاده ات