التفاسير

< >
عرض

وَلَقَدْ أَهْلَكْنَا ٱلْقُرُونَ مِن قَبْلِكُمْ لَمَّا ظَلَمُواْ وَجَآءَتْهُمْ رُسُلُهُم بِٱلْبَيِّنَاتِ وَمَا كَانُواْ لِيُؤْمِنُواْ كَذٰلِكَ نَجْزِي ٱلْقَوْمَ ٱلْمُجْرِمِينَ
١٣
ثُمَّ جَعَلْنَاكُمْ خَلاَئِفَ فِي ٱلأَرْضِ مِن بَعْدِهِم لِنَنظُرَ كَيْفَ تَعْمَلُونَ
١٤
-يونس

روح البيان في تفسير القرآن

{ ولقد اهلكنا القرون } يعنى الامم الماضية مثل قوم نوح وعاد { من قبلكم } متعلق باهلكنا وليس بحال من القرون لانه زمان اى اهلكناهم من قبل زمانكم يا اهل مكة { لما ظلموا } حين ظلموا بالتكذيب واستعمال القوى والجوارح لاعلى ما ينبغى { وجاءتهم } اى والحال انهم قد جاءتهم { رسلهم بالبينات } اى بالحجج الدالة على صدقهم { وما كانوا ليؤمنوا } وما استقام لهم ان يؤمنوا لفساد استعدادهم وخذلان الله لهم وعلمه بانهم يموتون على كفرهم وهو عطف على ظلموا كأنه قيل لما ظلموا واصروا على الكفر بحيث لم يبق فائدة في امهالهم اهلكناهم { كذلك } اى مثل ذلك الجزاء وهو اهلاكهم بسبب تكذيبهم للرسل واصرارهم عليه بحيث تحقق انه لا فائدة في امهالهم { نجزي القوم المجرمين } نجزى كل مجرم { ثم جعلناكم خلائف في الارض من بعدهم } استخلفناكم فيها بعد القرون التى اهلكناها استخلاف من يختبر لان الله تعالى لا يحتاج فى العلم باحوال الانسان الى الاختبار والامتحان فى الحقيقة ولكن يعامل معاملة من يطلب العلم بما يكون منهم ليجازيهم بحسبه { لننظر } النظر في اللغة عبارة عن تقليب الحدقة نحو المرئى طلبا لرؤيته وهو في حقه تعالى مستعار للعلم المحقق الذى لا يتطرق اليه شك ولا شبهة بان يشبه هذا العلم بنظر الناظر وادراكه عين المرئى على سبيل المعاينة والمشاهدة ويطلق عليه لفظ النظر والرؤية على سبيل الاستعارة التصريحية ثم تسرى الاستعارة الى الفعل تبعا. قال الكاشفى [تابه بينيم در صورت شهادت بعد ازانكه دانستيم در غيب شما كه] { كيف تعملون } [جه كونه عمل خواهيد كرد ازخير وشرتا باشما بمقتضاى اعمال شما معامله كنيم ان خيرا فخير وان شرا فشر]

جرا آبينة فعلست كويى كه دروى هرجه كردى مينمايد
اكر كردى نكوئي نيك بينى وكربد كرده بد بيشت آيد

وكيف معمول تعملون فان معنى الاستفهام يحجب ان يعمل فيه ما قبله وفائدته الدلالة على ان المعتبر في الجزاء جهات الافعال وكيفياتها لا من حيث ذاتها ولذلك يحسن الفعل تارة ويقبح اخرى وفى الحديث (ان الدنيا حلوة خضرة) يعنى حسنة في المنظر (تعجب الناظر) والمراد من الدنيا صورها ومتاعها وانما وصفها بالخضرة لان العرب تسمى الشئ الناعم خضراء ولتشبيهها بالخضراوات فى سرعة زوالها وفيه بيان كونها غرارة يفتتن الناس بحسنها: قال الحافظ

خوش عروسست جهان ازره صورت ليكن هر كه بيوست بدو عمر خودش كابين داد

قال في فتح القريب حسنها للنفوس ونضارتها ولذتها كالفاكهة الخضراء الحلوة فان النفس تطلبها طلبا حثيثا فكذلك الدنيا وهى فى الحال حلوة خضراء وفى المآل مرة كدرة نعمت المرضعة وبئست الفاطمة (وان الله مستخلفكم فيها) اى جاعلكم خلفاء فى الدنيا يعنى ان اموالكم ليست فى الحقيقة لكم وانما هى لله جعلكم فى التصرف فيها بمنزلة الوكلاء (فناظر كيف تعملون) اى تتصرفون قيل معناه جاعلكم خلفا ممن قبلكم واعطى ما بايديهم اياكم فناظر هل تعتبرون بحالهم وتتدبرون فى مآلهم. قال قتادة ذكر لنا عمر رضى الله عنه قال صدق ربنا جعلنا خلفاء الارض لينظر الى اعمالنا فاروه من اعمالكم خيرا بالليل والنهار والسر والعلانية. وفى الآية وعيد لاهل مكة على اجرامهم بتكذيب رسول الله صلى الله تعالى عليه وسلم ليرتدعوا عن انكار النبوة واستعجال الشر حذرا من ان ينزل بهم عذاب الاستئصال كما نزل بمن قبلهم من المكذبين وهذا الوعيد والتهديد لا يختص بهم فان اهل كل قرن خليفة لمن قبله الى قيام الساعة فعلى العاقل ان يعتبر بمن مضى ويتدارك حاله قبل نزول القضاء. قال فى التأويلات النجمية ان لهذه الامة اختصاصا باستحقاق الخلافة الحقيقية التى اودعها الله فى آدم عليه السلام بقوله { { انى جاعل في الارض خليفة } ولهذا السر ما كان في امة من الامم من الخلفاء ما كان فى هذه الامة بالصورة والمعنى وللخلافة صورة ومعنى فكما ان صورة الخلافة مبنية على الحكم بين الرعية الصورية بالعدل والتسوية على قانون الشرع والاجناب عن متابعة الهوى والطبع كذلك معنى الخلافة مبنى على الحكم بين الرعية المعنوية وهى الجوارح والاعضاء والقلب والروح والسر والنفس وصفاتها واخلاقها والحواس الخمس والقوى النفسانية بالحق كما كان سيرة الانبياء وخواص الاولياء فى طلب الحق ومجانبة الباطل وترك ما سوى الله والوصول الى الله