التفاسير

< >
عرض

لِّلَّذِينَ أَحْسَنُواْ ٱلْحُسْنَىٰ وَزِيَادَةٌ وَلاَ يَرْهَقُ وُجُوهَهُمْ قَتَرٌ وَلاَ ذِلَّةٌ أُوْلَـٰئِكَ أَصْحَابُ ٱلْجَنَّةِ هُمْ فِيهَا خَالِدُونَ
٢٦
-يونس

روح البيان في تفسير القرآن

{ للذين احسنوا } اعمالهم اى عملوها على الوجه اللائق وهو حسنها الوصفى المستلزم لحسنها الذاتى وقد فسره رسول الله صلى الله تعالى عليه وسلم بقوله "ان تعبد الله كانك تراه فان لم تكن تراه فانه يراك" يقول الفقير العبادة على وجه رؤية الله تعالى وشهوده والحضور معه لا تكون الا بعد غيبوبة الغير عن القلب وارتفاع ملاحظته جدا فيأول المعنى الى قولنا للذين اخلصوا اعمالهم عن الرياء وقلوبهم عن غير الله تعالى { الحسنى } اى المثوبة الحسنى وهى فى اللغة تأنيث الاحسن والعرب تطلق هذا اللفظ على الخصلة المرغوب فيها { وزيادة } اى وما يزيد على تلك المثوبة تفضلا لقوله تعالى { { ويزيدهم من فضله } فالمثوبة ما اعطاه الله فى مقابلة الاعمال والزيادة ما اعطاه الله لا فى مقابلتها والكل فضل عندنا وقيل الحسنى مثل حسناتهم والزيادة عشر امثالها الى سبعمائة ضعف واكثر جمهور المحققين على ان الحسنى الجنة والزيادة اللقاء والنظر الى وجه الله الكريم وفى الحديث "اذا دخل اهل الجنة الجنة يقول الله تعالى تريدون شيئا ازيدكم فيقولون الم تبيض وجوهنا الم تدخلنا الجنة وتنجنا من النار قال فيكشف لهم الحجاب فما اعطوا شيئا احب اليهم من النظر الى ربهم ثم تلا هذه الآية للذين احسنوا الحسنى وزيادة" رواه مسلم والترمذى والنسائى.
فان قيل لم سمى الله الرؤية زيادة والجنة الحسنى والنظر الى وجهه اكبر من الجنة والزيادة فى الدنيا تكون اقل من رأس المال قيل المراد بالزيادة فى الآية الزيادة الموعودة والموعودة الجنة فالزيادة ههنا ليست من جنس المزيد عليه وهى الجنة ودرجاتها فالزيادة من العزيز الاكبر اكبر واعز كما ان الرضوان من الكريم الاجود اكبر واجل وفي الخبر (ان اهل الجنة اذا رأوا الحق نسوا نعيم الجنة) وهذه الرؤية بعين الرأس واما فى الدنيا فبعين العين لغير نبينا صلى الله تعالى عليه وسلم كما سبق عند قوله تعالى
{ { لا تدركه الابصار } الآية وانما تحصل بارتفاع الموانع وهى حجب التعينات جسمانية او روحانية: قال الحافظ

جمال يار ندارد نقاب وبرده ولى غبار ره بنشان تا نظر توانى كرد

وذلك لان الله تعالى ليس بمحجوب لانه لو حجبه لستره وهو ليس فى جهة ولا مكان وانما المحجوب انت ولو ازال الحق الحجاب عنا وشاهدناه نسينا الكون وما فيه كما ينسى اهل الجنة نعيمها عند التجلى فكان يفوت آن التعبد الشرعى ولذا لا نشاهد الحق فى دار الدنيا لانها مقام التكليف { ولا يرهق وجوههم } اى لا يغشاها. وبالفارسية [بوشيدة نكر داند رويها بهشتيانرا] { قتر } غبرة فيها سواد والقتر اشد من الغبار { ولا ذلة } اى اثر هوان وكسوف بال والغرض من نفى هاتين الصفتين نفى اسباب الخوف والحزن والذل عنهم ليعلم ان نعيمهم الذى ذكره الله خالص لا يشوبه شيء من المكروهات وانه لا يتطرق اليهم ما اذا حصل بغير صفحة لوجه ويزيل ما فيها من النضارة والحسن. والجملة مستأنفة لبيان امنهم من المكاره اثر بيان فوزهم بالمطالب والثانى وان اقتضى الاول الا انه ذكر اذكارا بما ينقذهم الله منه برحمته وتقديم المفعول على الفاعل للاهتمام ببيان ان المصون من الرهق اشرف اعضائهم { اولئك } [آن كروه محسنان] { اصحاب الجنة هم فيها خالدون } بلا زوال دائمون بلا انتقال.
وفى التأويلات النجمية { للذين احسنوا الحسنى وزيادة } اى للذين عاملوا الله على مشاهدته فان الاحسان ان تعبد الله كانك تراه الحسنى وهى شواهد الحق والنظر اليه وزيادة والزيادة ما زاد على النظر بالوصول الى العلم الازلى مجذوبا من انانيته الى هويته بافناء الناسوتية فى اللاهوتية { ولا يرهق وجوههم قتر } اى لا يصيبهم غبار الحجاب { ولا ذلة } وجود يقتضى الاثنينية { اولئك اصحاب الجنة } جنة السير فى الله { هم فيها خالدون } دائمون فى السير بجذبات العناية