التفاسير

< >
عرض

هُنَالِكَ تَبْلُواْ كُلُّ نَفْسٍ مَّآ أَسْلَفَتْ وَرُدُّوۤاْ إِلَى ٱللَّهِ مَوْلاَهُمُ ٱلْحَقِّ وَضَلَّ عَنْهُمْ مَّا كَانُواْ يَفْتَرُونَ
٣٠
-يونس

روح البيان في تفسير القرآن

{ هنالك } ظرف مكان اى فى ذلك المقام الدهش او فى ذلك الوقت على استعارة ظرف المكان للزمان { تبلو } من البلوى والاختبار. فى الفارسية [بيازمودن] اى تختبر وتذوق { كل نفس } مؤمنة كانت او كافرة سعيدة او شقية { ما اسلفت } اى قدمت من العمل فتعاين نفعه وضره واما ما عملت من حالها من حين الموت والابتلاء بالعذاب فى البرزخ فامر مجمل { وردوا } الضمير للذين اشركوا على انه معطوف على زيلنا وما عطف عليه وقوله تعالى { هنالك تبلو } الخ اعتراض فى اثناء المقرر لمضمونها { الى الله } اى جزائه وعقابه فان الرجوع الى ذاته تعالى مما لا يتصور { مولاهم } ربهم { الحق } اى المتحقق الصادق ربوبيته لا ما اتخذوه ربا باطلا.
قال الشيخ فى تفسيره مولاهم الحق الذى يتولى ويملك امرهم حقيقة ولا يشكل بقوله (وان الكافرين لا مولى لهم) لان المعنى فيه المولى الناصر وفى الاول المالك { وضل عنهم } وضاع اى ظهر ضياعه وضلاله الا انه كان قبل ذلك غير ضال او ضل فى اعتقادهم الجازم ايضا { ما كانوا يفترون } من ان آلهتهم تشفع لهم اوما كانوا يدعون انهم شركاء الله.
واعلم ان اكثر ما اعتمد عليه اهل الايمان يتلاشى ويضمحل عند ظهور حقيقة الامر يوم القيامة فكيف ما استند اليه الشرك والعصيان -كما حكى- ان الجنيد قدس سره رؤى فى المنام بعد موته فقيل له ما فعل الله بك فقال طاحت تلك الاشارات وفنيت تلك العبارات وابيدت تلك الرسوم وغابت تلك العلوم وما نفعنا الا ركيعات كنا نركعها فى السحر

هر كنج سعادت كه خداداد بحافظ ازيمن دعاى شب وورد سحرى بود

ثم ان الآية الشريفة اشارت الى ان النفس انما تعبد الهوى ولا محراب لها فى توجهها الا ما سوى المولى.
قال بعض السادةرحمه الله نحت الجبال بالاظافر ايسر من زوال الهوى اذا تمكن وكما لا يحب الله العمل المشترك بالالتفات لغيره نفسا كان او غيرها كذا لا يحب القلب المشترك بمحبة غيره من شهوة او غيرها. قال محمد بن حسانرحمه الله بينا انا ادور فى جبل لبنان اذ خرج على شاب قد احرقته السموم والرياح فلما رآنى ولى هاربا فتبعته وقلت عظنى بكلمة انتفع بها قال احذره فانه غيور لا يحب ان يرى فى قلب عبده سواه.
قال ابن نجيدرحمه الله لا يصفو لاحد قدم فى العبودية حتى يكون افعاله كلها عنده رياء واحواله كلها عنده دعاوى وانما يفتضح المدعون بزوال الاحوال: وفى المثنوى

جون بباطن بنكرى دعوى كجاست اوودعوى بيش آن سلطان فناست

وقال الحافظ قدس سره

حديث مدعيان وخيال همكاران همان حكايت زردوز وبوريافست

فعلى العبد ان يفنى عن جميع الاوصاف ويغتسل عن كل الاوساخ وينقطع عن التشبث بكل حجر وشجر فان الظفر انما هو بعناية الله خالق القوى والقدر ونعم ما قال بعضهم استغاثة المخلوق بالمخلوق كاستغاثة المسجون بالمسجون
وفى التأويلات النجمية
{ { ويوم نحشرهم جميعا } اى اجتماع ارواح الانسان وحقائق الاشياء التى يعبدون من دون الله مثل الدنيا والهوى والاصنام { { ثم نقول للذين اشركوا مكانكم } اى نخاطب ارواح المشركين بان قفوا مكانكم الذى اخترتم بالجهل بعد ان كنتم فى علو المكان { انتم وشركاؤكم } اى انزلوا انتم وشركاؤكم الى المكان السفل وهو مكان شركائكم اذا تعلقتم بهم { { فزيلنا بينهم } اى فرقنا بين المشركين وشركائهم بان نعذب المشركين بعذاب البعد والطرد عن الحضرة والم المفارقة وحسرة ابطال استعداد المواصلة ولا نعذب الشركاء بهذه العقوبات لعدم استعدادهم فى قبول كمال القرب { وقال شركاؤهم ما كنتم ايانا تعبدون } بل كنتم تعبدون هواكم لانه ما عبد فى الارض اله ابغض الا بالهوى فلهذا قال عليه الصلاة والسلام "ما عبد فى الارض اله ابغص على الله من الهوى" وقال تعالى { { أرأيت من اتحذ الهه هواه } } { { فكفى بالله شهيدا بيننا وبينكم } فيما شاهد { { ان كنا عن عبادتكم لغافلين } اى كنا فى غفلة عن ذوق عبادتكم ايانا وحفظها ومشربها بل كان الحظ والمشرب والذوق لهواكم فى استيفاء اللذات والشهوات والتمتعات الدنيوية والاخروية عند عبادتنا بلا شعور منا بخلاف عبادة الله فان فى عبادة الله رضاه وشعوره بها ومنه المدد والتوفيق وعليه الجزاء والثواب { هنالك تبلو كل نفس ما اسلفت } اى فى ذلك الحال تبتلى كل نفس ما قدمت من التعلقات بالاشياء والتمسكات بها { وردوا الى الله } فى الحكم والقرب والبعد واللذة والالم { مولاهم الحق } اى متوليهم فى ذلك هو الله اى فى اذاقة اللذات من القرب والالم من البعد لا غيره من الشركاء