التفاسير

< >
عرض

وَمَا يَتَّبِعُ أَكْثَرُهُمْ إِلاَّ ظَنّاً إِنَّ ٱلظَّنَّ لاَ يُغْنِي مِنَ ٱلْحَقِّ شَيْئاً إِنَّ ٱللَّهَ عَلَيمٌ بِمَا يَفْعَلُونَ
٣٦
-يونس

روح البيان في تفسير القرآن

{ وما يتبع اكثرهم } فيما يعتقدون من ان الاصنام آلهة { الا ظنا } من غير تحقيق وانما قلدوا فى ذلك آباءهم. وفيه اشعار بان بعضهم قد يتبعون العلم فيقفون على حقية التوحيد وبطلان الشرك لكن لا يقبلونه مكارة وعنادا { ان الظن لا يغنى } بى نياز نكر داندكسى را] { من الحق } [از علم واعتقاد درست يعنى ظن وتخمين بجاى حق ويقين نتواند] { شيئا } من الاغناء فيكون مفعولا مطلقا ويجوز ان يكون مفعولا به ومن الحق حالا منه فمعنى لا يغنى حينئذ لا ينوب.
وقال بعضهم ان الظن بان الاصنام شفعاء لا يدفع عنهم العذاب فقولهم بانها شفعاء باطل محض مبنى على خيال فاسد وظن واه { ان الله عليم بما يفعلون } وعيد على اتباعهم للظن واعراضهم عن البرهان. وفى الآية دلالة على وجوب العلم فى الاصول وعدم جواز الاكتفاء بالتقليد: وفى المنثوى

وهم افتد در خطا ودر غلط عقل باشد در اصابتها فقط
كشتئ بى لنكر آمد مرد شر كه زباد كزنيابد او حذر
لنكر عقلست عاقل را امان لنكرى دريوزه كن ازعاقلان

وقد نادى قوله تعالى { فما لكم كيف تحكمون } على كونهم محرومين من كمال العقل فان العاقل بالعقل الكامل لا يتبع الباطل والجهل بل الحق والعلم وكون الآباء على صفة الشرك لا ينهض حجة فان الله تعالى قد خلق الناس وهداهم الى تمييز الخير والشر بتركيب العقل فيهم فالاتباع ليس الا الى الهدى وكما ان المشركين ضلوا عن طريق الشريعة بتقليد الجهلة فكذا السالكون ضلوا عن طريق الحقيقة بتقليد الغفلة.
قال بعض الكبار اوصيكم بوصية لا يعرفها الا من عقل وجرب ولا يهملها الا من غفل فحجب وهو ان لا تأخذوا فى هذا العلم مع متكبر ولا صاحب بدعة ولا مقلد. اما الكبر فانه عقال عن فهم الآية والعبر. واما البدعة فتوقع صاحبها فى البلايا الكبار. واما التقليد فعقال يمنع من الظفر وبلوغ الوطر ثم ان ما وصل المرء اليه بنور العقل والبرهان فالعلم المكسوب بالعقل بمنزلة الظن والتخمين عند ارباب اليقين والحق الذى لا غاية وراءه وراء طور العقل وما يلى ظاهر القلب هو الايمان وما يلى باطنه هو الايقان.
قال بعض العارفين اذا كان الايمان فى ظاهر القلب كان العبد محبا للآخرة والدنيا وكان مرة مع الله ومرة مع نفسه فاذا دخل الايمان باطن القلب ابغض العبد دنياه وهجر هواه والوصول الى هذه المرتبة لا يكون الا بجذبة آلهية وبصحبة مرشد كامل: قال الحافظ

من بسر منزل عنقا نه بخود بردم راه قطع اين مرحله بامرغ سليمان كردم

ومن شرائطه الاحتراز عن صحبة خلاف الجنس فانها مؤثرة وما ضاع من ضاع الا بمساعدة الهوى والقعود مع اهل الانكار فقد ظهر الحق وحقيقة الحال وماذا بعد الحق الا الضلال نسأل الله المتعال ان يوفقنا للاجتهاد الى وقت الارتحال