التفاسير

< >
عرض

وَأَوْحَيْنَآ إِلَىٰ مُوسَىٰ وَأَخِيهِ أَن تَبَوَّءَا لِقَوْمِكُمَا بِمِصْرَ بُيُوتاً وَٱجْعَلُواْ بُيُوتَكُمْ قِبْلَةً وَأَقِيمُواْ ٱلصَّلاَةَ وَبَشِّرِ ٱلْمُؤْمِنِينَ
٨٧
-يونس

روح البيان في تفسير القرآن

قوله تعالى { واوحينا الى موسى واخيه } هارون { ان } مفسرة للمفعول المقدر اى اوحينا اليهما شيئا هو { تبوآ لقومكما بمصر بيوتا } يقال تبوأ المكان اذا اتخذ مباءة ومنزلا. والمعنى اجعلا بمصر المعروفة او الاسكندرية كما فى الكواشى بيوتا من بيوته مباءة لقومكما ومرجعا يرجعون اليها للسكنى والعبادة { واجعلوا } انتما وقومكما { بيوتكم } تلك { قبلة } مساجد متوجهة نحو القبلة وهى الكعبة فان موسى عليه السلام كان يصلى اليها { واقيموا الصلاة } فيها وهذا ينبئ ان الصلاة كانت مفروضة عليهم دون الزكاة ولعل ذلك لفقرهم { وبشر } يا موسى لان بشارة الامة وظيفة صاحب الشريعة { المؤمنين } بالنصرة فى الدنيا اجابة لدعوتهم والجنة فى العقبى.
وفى الآية اشارة الى ان السلاك ينبغى ان لا يتخذوا المنازل فى عالم النفس السفلية بل يتخذوا المقامات فى مصر عالم الروحانية ويقيموا الصلاة اى يديموا العروج من المقامات الروحانية الى القربات والمواصلات الربانية فان سير الممكنات متناه وذوقها منقطع واماسير الواجب فغير متناه وذوقه دائم فى الدنيا والآخرة وذرة من سيره وذوقه لا يساويها لذة الجنان الثمان وجميع ذوق الرجال بانواع الكرامات لا يعادل محنة اهل الفناء عند الله وان تألموا هنا ولكن ذلك ليس بألم بل اشد والالم فيما اذا رأى اهل الذوق مراتب اهل الفناء فوقهم واقله التألم من تقدمهم. وغبطة موسى عليه السلام ليلة المعراج بنبينا عليه السلام من هذا القبيل ثم هذا بالنسبة الى كل من كان فى التنزل والارشاد واما من بقى فى الوصلة فلا تألم له من شيء ولا مفخر فوق الحقيقة كما فى الواقعات المحمودية. ثم ان الابتلاء ماض الى يوم القيامة.
قال حضرة الشيخ الاكبر قدس سره الاطهر اعلم انه لا بد لجميع بنى آدم من العقوبة والا لم شيئا بعد شيء الى دخولهم الجنة لانه اذ نقل الى البرزخ فلا بد له من الالم وادناه سؤال منكر ونكير فاذا بعث فلا بد من الم الخوف على نفسه او غيره واول الالم فى الدنيا استهلال المولود حين ولادته صارخا لما يجده من مفارقة الرحم وسخونته فيضر به الهواء عند خروجه من الرحم فيحس بالم البرد فيببكى فان مات فقد اخذ حظه من البلاء انتهى كلامه
وكان امية بن خلف يعذب بلالا رضى الله عنه لاسلامه فيطرحه على ظهره فى الرمضاء اى الرمل اذا اشتدت حرارته لو وضعت فيه قطعة لحم لنضجت ثم يأمر بالصخرة العظيمة فتوضع على صدر وهو يقول احد احد اى الله فيمزج مرارة العذاب بحلاوة الايمان وقد وضع له رضى الله عنه انه لما احتضر وسم امرأته تقول واحزناه صار يقول واطرباه

نلقى غذا الاحبه محمدا وحزبه

فكان يمزج مرارة الموت بحلاوة اللقاء وقد اشير الى هذه القصة فى المثنوى

كفت جفت امشب غريبى ميروى از تبار خويش غائب ميشوى
كفت نى نى بلكه امشب جان من ميرسد خود از غريبى در وطن
كفت رويت را كجا بينيم ماكفت اندر حلقه خاص خدا
كفت ويران كشت اين خانه دريغ كفت اندر مه نكر منكر بميغ
كرد ويران تا كند معمور ترقومم انبه بود وخانه مختصر
من كدا بودم درين خانه جو جاه شاه كشتم قصر بايد بهر شاه
قصرها خود مر شهانرا مأنس است مرده اخانه ومكان كورى بس است
انبيا را تنك آمد اين جهان جون شهان رفتند اندر لا مكان
مرد كان را اين جهان بنمود فر ظاهرش زفت وبمعنى تنك تر
كر نبودى تنك ابن افغان زجيست جون دوتاشد هركه دروى بيش زيست
در زمان خواب جون آزاد شد زان زمكان بنكر كه جان جون شادشد

وحاصله ان الله تعالى خلق العوالم على التفاوت وجعل بعضها اوسع من بعض واضيق الكل الدنيا واوسعه عالم الامر والشان ولكون الانبياء وكمل الاولياء اصحاب السلوك والعروج كانوا باجسادهم فى الدنيا وارواحهم عند الحضرة العليا فلا جرم ان كل العوالم بالنسبة اليهم على السواء فلذا لا يتأذون بشيء اصلا ولا يخافون غير الله تعالى واما غيرهم فليسوا بهذه المرتبة فلهذا اختلفت احوالهم فى السر والعلانية وغفلوا عن التوجه وحسن النية ومن الله العصمة والتوفيق