التفاسير

< >
عرض

آلآنَ وَقَدْ عَصَيْتَ قَبْلُ وَكُنتَ مِنَ ٱلْمُفْسِدِينَ
٩١
-يونس

روح البيان في تفسير القرآن

{ آلآن } مقول القول مقدر معطوف على قال اى فقيل آلآن تؤمن حين يئست من الحياة وايقنت بالممات { وقد عصيت قبل } حال من فاعل الفعل المقدر اى والحال قد عصيت قبل ذلك مدة عمرك { وكنت من المفسدين } اى الغالين فى الضلال والاضلال عن الايمان فالاول عبارة عن عصيانه الخاص به والثانى عن فساده الراجع الى نفسه والسارى الى غيره من الظلم والتعدى وصد بنى اسرائيل عن الايمان.
جاء فى الاخبار عن عبد الله بن عمر رضى الله عنه قال غار النيل على عهد فرعون فاتاه اهل مملكته فقالوا ايها الملك اجر لنا النيل فقال انى لست براض عنكم حتى قالوا ذلك ثلاث مرات فذهبوا فأتوه فقالوا ايها الملك ماتت البهائم وهلكت الصبيان والابكار فان لم تجر لنا لنيل اتخذنا الها غيرك فقال لهم اخرجوا الى الصعيد فخرجوا فتنحى عنهم بحيث لا يرونه ولا يسمعون كلامه والصق خده بالارض واشار بالسبابة فقال اللهم انى خرجت اليك خروج العبد الذليل الى سيده وانى اعلم انه لا يقدر على اجرائه غيرك فاجره فقام فجرى النيل جريا فاتاهم فقال لهم انى اجريت لكم النيل فقال خروا له سجدا.
يقول الفقير هذا لا يدل على ايمان فرعون وذلك لان الايمان وان كان عبارة عن التصديق والاقرار وصاحبه ينبغى ان لا يكون كافرا بشيء من افعال الكفر والفاظه ما لم يتحقق منه التكذيب والانكار الا ان من المعاصى ما جعله الشارع امارة التكذيب ومنه دعوة فرعون الى عبادة نفسه ورضاه عن سجود قومه له ونحو ذلك فمع ذلك لا يكون مؤمنا البته قالوا عرض له جبريل يوما فقال ايها الملك ان عبدا ملكته على عبيدى واعطيته مفاتيح خزائنى وعادانى واحب من عاديته وعادى من احببته فقال له فرعون لو كان لى ذلك العبد لغرقته فى بحر القلزم فقال جبريل ايها الملك اكتب لى بذلك كتابا قال فدعا بدواة وقلم وقرطاس فكتب فرعون فيه يقول ابو العباس الوليد بن مصعب جزاء العبد الخارج على سيده الكافر نعماءه ان يغرق فى البحر فلما الجمه الغرق ناوله جبريل خطه فعرفه فقال جبريل هذا ما حكمت به على نفسك قالوا نكب عن الايمان اى عدل واعرض عنه او ان بقاء التكليف والاختيار وبالغ فيه حين لا يقبل حرصا على القبول حيث كرر المعنى الواحد ثلاث مرات بثلاث عبارات حيث قال اولا آمنت وقال ثانيا لا اله الا الذى آمنت به بنوا اسرائيل وقال ثالثا وانا من المسلمين وكانت المرة الواحدة كافية حيث بقاء التكليف والاختيار وايمان اليأس موقوف من جهة الرد والقبول وان كان من مقام الاحتضار فمردود والا فلا والاحتضار لا يكون الا فى النفسين من الداخل والخارج كما فى اسئلة الحكم وهو مقبول عند الامام مالك حكما بالظاهر كالمؤمن عند سل السيف والمؤمن عند اقامة الحد عليه يقبل ايمانه وعلى هذا بنى كلامه حضرة الشيخ الاكبر المالكى فى الفصوص ذهب الى ايمان فرعون ثم فوض