التفاسير

< >
عرض

وَلِلَّهِ غَيْبُ ٱلسَّمَٰوَٰتِ وَٱلأَرْضِ وَإِلَيْهِ يُرْجَعُ ٱلأَمْرُ كُلُّهُ فَٱعْبُدْهُ وَتَوَكَّلْ عَلَيْهِ وَمَا رَبُّكَ بِغَافِلٍ عَمَّا تَعْمَلُونَ
١٢٣
-هود

روح البيان في تفسير القرآن

{ ولله } اللام للاختصاص { غيب السموات والارض } الغيب فى الاصل مصدر واضافة المصدر من صيغ العموم والاضافة بمعنى فى اى يختص به علم ما غاب فيهما عن العباد وخفى عليهم علمه فكيف يخفى عليه اعمالكم { واليه } تعالى وحده { يرجع الامر كله } بضم الياء وفتح الجيم بمعنى يرد وبفتح الياء وكسر الجيم بمعنى يعود عواقب الامور كلها يوم القيامة فيرجع امرك يا محمد وامر الكفار اليه فينتقم لك منهم { فاعبده } اى اطعه واستقم على التوحيد { وتوكل عليه } فوض اليه جميع امورك فانه كافيك وعاصمك من شرهم فعليك تبليغ ما اوحينا اليك بقلب فسيح غير مبال بعداوتهم وعتوهم وسفههم وفى تأخير الامر بالتوكل على الامر بالعبادة اشعار بانه لا ينفع بدونها { وما ربك بغافل عما تعملون } وكل عمل تعمله انت وهم اى الكفار فالله تعالى عالم به غير غافل عنه لان الغفلة والسهو لا يجوزان على من لا يخفى عليه شيء فى السماوات والارض فيجاوى كل منك ومنهم بموجب الاستحقاق
وعن كعب الاحبار ان فاتحة التوراة سورة الانعام وخاتمتها هذه الآية وهى { ولله غيب السموات والارض } الخ
اعلم ان علم الغيوب بالذات مختص بالله تعالى واما اخبار الانبياء والاولياء صلوات الله عليهم اجمعين فبواسطة الوحدة والالهام وتعليم الله تعالى. ومن هذا القبيل اخباره عليه السلام عن حال العشرة المبشرة. وكذا عن حال بعض الناس.
وعن محمد بن كعب انه قال قال رسول الله صلى الله عليه
"ان اول من يدخل من هذا الباب رجل من اهل الجنة فدخل عبد الله ابن سلام فقام اليه الناس من اصحاب رسول الله فاخبروه بذلك قالوا لو اخبرتنا باوثق عمل ترجو به فقال انى ضعيف ومن اوثق ما ارجو به سلامة الصدر وترك ما لا يعنى." وكذا اخباره عليه السلام عن اشراط الساعة وما يظهر فى آخر الزمان من غلبة البدع والهوى واماتة الصلاة واتباع الشهوات
وعن سيد الطائفة جنيد البغدادىرحمه الله قال قال لى خالى سرى السقطى تكلم على الناس وكنت اتهم نفسى فى استحقاق ذلك ورأيت النبى عليه السلام وكان ليلة الجمعة فقال تكلم على الناس فانتبهت واتيت بابه العامى فقال لم تصدقنا حتى قيل لك فقعدت من غد للناس اى بطريق العظة والتذكير فقعد على غلام نصرانى متنكرا وقال ايها الشيخ ما معنى قوله عليه السلام
"اتقوا فراسة المؤمن فانه ينظر بنور الله" قال فاطرقت رأسى ورفعت فقلت اسلم فقد حان وقت اسلامك فاسلم الغلام فمثل هذا العلم والوقوف على احوال الناس لا يحصل الا باخبار الله تعالى والا فكل ولى متحير فى امره وامر غيره كما قال المولى الجامى

اى دل توكه آن فضولى وبو العجبى ازمن جه نشان عافيت مى طلبى
سركشته بود خواه ولى خواه نبى در وادى وما أدرى ما يفعل بى

ثم ان التوكل عبارة عن الاعتصام به تعالى فى جميع الامور ومحله القلب وحركة الظاهر لا تنافى توكل القلب بعد ما تحقق عند العبد ان التقدير من قبل الله تعالى ويعتمدوا عليه كل الاعتماد لا على الجاه والعقل والاموال والاولاد فان الله تعالى خالق كل مخلوق وزارق كل مرزوق وفى الحديث "ما من زرع على الارض ولا ثمر على الاشجار الا وعليه مكتوب بسم الله الرحمن الرحيم هذا رزق فلان ابن فلان" وفى الحديث "خلق الله الارزاق قبل الاجساد بالف عام فبسطها بين السماء والارض فضربتها الرياح فوقعت فى مشارق الارض ومغاربها فمنهم من وقع رزقه فى الف موضع ومنهم من وقع فى مائة ومنهم من وقع على باب داره يغدو ويروح حتى يأتيه" : قال المولى الجامى قدس سره

حرص جه ورزى كه نبودت اوسود هيج دوشش كرد دوهشت تونه
رنج طلب راهمه برخود مكير يطلبك الرزق كما تطلبه

وافضل العبادات فى مقام التوكل هو التوكل وفى مقام الرضى هو الرضى وفى مقام الفناء هوالفناء وعلى هذا ثم ان العبادة وان كثرت انواعها ولكن العبادة فى الحقيقة ترك العادات ومخالفة النفس بالمجاهدات والانقطاع عما سوى الله تعالى حتى يترقى العبد من مقام العبادة الى مقام العبودية ولا يحصل ذلك الا بكمال التوحيد وكمال التوحيد لا يحصل الا بالمداومة للعبادات والملازمة الى ذكر الله تعالى فى جميع الحالات

يا رب ز دوكون بى تيازم كردان واز افسر فقر سر فرازم كردان
درراه طلب مجرم رازم كردان زان ره كه نه سوى تست بازم كردان

والله ولى التوفيق واليه تعود العواقب على التحقيق
تمت سورة هود بفضل الله الودود فى سحر ليلة السبت الرابع والعشرين من شهر ربيع الاول من سنة ثلاث ومائة والف