التفاسير

< >
عرض

أُوْلَـٰئِكَ ٱلَّذِينَ لَيْسَ لَهُمْ فِي ٱلآخِرَةِ إِلاَّ ٱلنَّارُ وَحَبِطَ مَا صَنَعُواْ فِيهَا وَبَاطِلٌ مَّا كَانُواْ يَعْمَلُونَ
١٦
-هود

روح البيان في تفسير القرآن

{ اولئك } المريدون للحياة الدنيا وزينتها الموفون فيها ثمرات اعمالهم من غير بخس { الذين ليس لهم فى الآخرة الا النار } لان هممهم كانت مصروفة الى الدنيا واعمالهم مقصورة على تحصيلها فقد اجتنبوا ثمراتها فلم يبق فى الآخرة الا العذاب المخلد { وحبط ما صنعوا فيها } يعنى بطل ثواب اعمالهم التى صنعوها فى الدنيا لانها لم تكن لوجه الله تعالى والعمدة فى اقتضاء ثواب الآخرة هو الاخلاص { وباطل } [وناجيزاست] فى نفس الامر { ما كانوا يعملون } رياء وسمعة. فقوله باطل خبر مقدم وما كانوا يعملون مبتدأ مؤخر والجملة الاسمية معطوفة على الفعلية قبلها.
والآية فى حق الكفار كما يفصح عنه الحصر فى كينونة النار لهم.
واعلم ان حسنات الكفار من البر وصلة الرحم والصدقة وبناء القناطر وتسوية الطرق والسعى فى دفع الشرور واجراء الانهار ونحو ذلك مقبولة بعد اسلامهم يعنى يحسب ثوابها ولا يضيع واما قبل الاسلام فانعقد الاجماع على انهم لا يثابون على اعمالهم بنعيم ولا تخفيف عذاب لكن يكون بعضهم اشد عذابا من بعض بحسب جرائمهم.
وذكر الامام الفقيه ابو بكر البيهقى انه يجوز ان يراد بما فى الآيات والاخبار من بطلان خيرات الكفار انهم لا يتخلصون بها من النار ولكن يخفف عنهم ما يستوجبونه بجنايات ارتكبوها سوى الكفر ووافقه المازرى كما فى شرح المشارق لابن الملك.
وقال ابن عباس رضى الله عنهما نزلت هذه الآية فى اهل الرياء من اهل القبلة فمعنى قوله تعالى { ليس لهم فى الآخرة الا النار } ليس يليق لهم الا النار ولا يستحقون بسبب الاعمال الريائية الا اياها كقوله تعالى
{ { فجزاؤهم جهنم } وجائز ان يتغمدهم الله برحمته فليس فى الآية دلالة على الخلود والعذاب البتة والظاهر ان الآية عامة لاهل الرياء مؤمنا كان او كافرا او منافقا كما فى زاد المسير والرياء مشتق من الرؤية واصله طلب المنزلة فى قلوب الناس برؤيتهم خصال الخير كما فى فتح القريب
وفى الحديث
"ان اخوف ما اخاف عليكم الشرك الاصغر قالوا وما الشرك الاصغر يا رسول الله قال الرياء يقول الله عز وجل اذا جزى الناس باعمالهم قال اذهبوا الى الذين كنتم تراؤون فى الدنيا فانظروا هل تجدون عندهم جزاء"

مرايى هر كسى معبود سازد مرايى را ازان كفتند مشرك

قال فى شرح الترغيب المشرك يطلق على كل كافر من عابد وثن وصنم ومجوسى ويهودى ونصرانى ومرتد وزنديق وعلى المرائى وهو الشرك الاصغر والشرك الخفى يقال للقراء من اهل الرياء اردت ان يقال فلان قارئ فقد قيل ذلك ولمن وصل الرحم وتصدق فعلت حتى يقال فقيل ولمن قاتل فقتل قاتلت حتى يقال فلان جريئ فقد قيل ذلك فهؤلاء الثلاثة اول خلق تسعر بهم النار كما فى الحديث "ويصعد الحفظة بعمل العبد الى السماء السابعة من صلاة وصوم ونفقة واجتهاد وورع فيقول لهم الملك الموكل بها اضربوا بهذا العمل وجه صاحبه فانه اراد بعمله غير الله تعالى ويصعد الحفظة بعمله من صلاة وزكاة وصوم وحج وعمرة وخلق حسن وصمت وذكر الله ويشيعه ملائكة السموات حتى يقطعون الحجب كلها فيقول لهم الله تعالى اراد به غيرى فعليه لعنتى فيقول الملائكة كلها عليه لعنتك ولعنتنا يلعنه السموات السبع ومن فيهن" كما ورد فى الحديث: قال الحافظ

كوييا باور نمى دارند روزداورى كين همه قلب ودغل دركاردورميكنند

قال الفضيل ترك العمل لاجل الناس رياء والعمل لاجل الناس شرك والاخلاص الخلاص من هذين معنى كلامه ان من عزم على عبادة الله تعالى ثم تركها مخافة ان يطلع الناس عليه فهو مراء لانه لو كان عمله لله تعالى لم يضره اطلاع الناس عليه ومن عمل لاجل ان يراه الناس فقد اشرك فى الطاعة ويستثنى من كلامه مسألة لا يكون ترك العمل فيها لاجل الناس رياء وهى اذا كان الشخص يعلم انه متى فعل الطاعة بحضرة الناس آذوه واغتابوه فان الترك من اجلهم لا يكون رياء بل شفقة عليه ورحمة كما فى فتح القريب.
وقال فى شرح الطريقة من مكايد الشيطان ان الرجل قد يكون ذا ورد كصلاة الضحى والتهجد وتلاوة القرآن والادعية الماثورة فيقع فى قوم لا يفعلونه فيتركه خوفا من الرياء وهذا غلط منه اذ مداومته السابقة دليل الاخلاص فوقوع خاطر الرياء فى قلبه بلا اختيار ولا قبول لا يضر ولا يخل بالاخلاص فترك العمل لاجله موافقة للشيطان وتحصيل لغرضه نعم عليه ان لا يزيد على معتاده ان لم يجد باعثا وقد يترك لا خوفا من الرياء بل خوفا من ان ينسب اليه ويقال انه مراء وهذا عين الرياء لانه تركه خوفا من سقوط منزلته عند الناس وفيه ايضا سوء الظن بالمسلمين وقد يقع فى خاطره ان تركه لاجل صيانتهم من الغيبة لا لاجل الفرار من المذمة وسقوط المنزلة وهذا ايضا سوء الظن بهم اذ صيانة الغير من المعصية انما يكون فى ترك المباحات دون السنن والمستحبات انتهى كلامه.
قال فى التأويلات النجمية { وحبط ما صنعوا } من اعمال الخير { فيها } فى الدنيا للدنيا { وباطل ما كانوا يعملون } من الاعمال وان كانت حقا لانهم عملوها لغير وجه الله وهو باطل وبه يشير الى ان كل من يعمل عملا يطلب به غير الله فان عمله ومطلوبه باطل كما قال صلى الله عليه وسلم
"ان اصدق كلمة قالها العرب ألا كل شيء ما خلا الله باطل "
قال حضرة الشيخ الاكبر قدسنا الله بسره الاطهر اعلم ان الموجودات كلها وان وصفت بالباطل فهى حق من حيث الوجود ولكن سلطان المقام اذا غلب على صاحبه يرى ما سوى الله تعالى باطلا من حيث انه ليس له وجود من ذاته فحكمه حكم العدم وهذا معنى قولهم قوله باطل اى كالباطل لان العالم قائم بالله لا بنفسه فهو من هذا الوجه باطل والعارف اذا وصل الى مقامات القرب فى بداية عرفانه ربما تلاشت هذه الكائنات وحجبت عن شهودها بشهود الخلق لانها زالت من الوجود بالكلية ثم اذا كمل عرفانه شهد الحق تعالى والخلق معا فى آن واحد وما كل احد يصل الى هذا المقام فان غالب الناس ان شهد الخلق لم يشهد الحق وان شهد الحق لم يشهد الخلق ولا يدرك الوحدة الا من ادرك اجتماع الضدين ولعل من المشهد الاول قول الاستاذ الشيخ ابى الحسن البكرى قدس سره استغفر الله مما سوى الله تعالى لان الباطل يستغفر من اثبات وجوده لذاته كذا فى انسان العيون فى سيرة الامين المأمون: قال الشيخ المغربى

سايه هستى مو نمايد ليك اندراصل نيست نيست را ازهست اربشنا ختى يابى نجات

وقال ايضا

بيدار شواز خواب كه اين جمله خيالات اندر نظر ديده بيدار جو خوابيست

نسأل الله سبحانه ان يكشف القناع عن وجه المقصود ويتجل لنا بجماله فى وجه كل مظهر وموجود وهو الرحيم الودود ذو الفضل والفيض والجود