التفاسير

< >
عرض

أَفَمَن كَانَ عَلَىٰ بَيِّنَةٍ مِّن رَّبِّهِ وَيَتْلُوهُ شَاهِدٌ مِّنْهُ وَمِن قَبْلِهِ كِتَابُ مُوسَىٰ إِمَاماً وَرَحْمَةً أُوْلَـٰئِكَ يُؤْمِنُونَ بِهِ وَمَن يَكْفُرْ بِهِ مِنَ ٱلأَحْزَابِ فَٱلنَّارُ مَوْعِدُهُ فَلاَ تَكُ فِي مِرْيَةٍ مِّنْهُ إِنَّهُ ٱلْحَقُّ مِن رَّبِّكَ وَلَـٰكِنَّ أَكْثَرَ ٱلنَّاسِ لاَ يُؤْمِنُونَ
١٧
-هود

روح البيان في تفسير القرآن

{ أفمن كان على بينة من ربه } الهمزة للانكار والبينة الحجة والبرهان وعلى للاستعلاء المجازى وهو الاستيلاء والاقتدار على اقامتها والاستدلال بها ومن شرطية او موصولة مبتدأ حذف خبره والتقدير افمن كان على برهان ثابت من ربه يدل على الحق والصواب فيما يأتيه ويذره وهو كل مؤمن مخلص كمن ليس على بينة يعنى سواء بل الاول على السعادة وحسن العاقبة والثانى على الشقاوة وسوء الخاتمة { ويتلوه } من التلو وهو التبع ذلك البرهان الذى هو دليل العقل فتذكير الضمير الراجع الى البينة انما هو بتأويل { شاهد منه } اى شاهد من الله تعالى يشهد بصحته وهو القرآن { ومن قبله } اى ومن قبل القرآن الشاهد { كتاب موسى } وهو التوراة فانها ايضا تتلو ذلك البرهان فى التصديق { اماما } كتابا مؤتما به فى الدين ومقتدى وانتصابه على الحال { ورحمة } اى نعمة عظيمة على من انزل اليهم ومن بعدهم الى يوم القيامة باعتبار احكامه الباقية المؤيدة بالقرآن العظيم.
قال فى انسان العيون التوراة اول كتاب اشتمل على الاحكام والشرائع بخلاف ما قبله من الكتب فانها لم تشتمل على ذلك وانما كانت مشتملة على الايمان بالله وتوحيده ومن ثمة قيل لها صحف واطلاق الكتب عليها مجاز انتهى
{ اولئك } اشارة الى من كان على بينة { يؤمنون به } اى يصدقون بالقرآن { ومن يكفر به } [وهر كه كافر شود بقرآن] { من الاحزاب } من اهل مكة ومن تحزب معهم على رسول الله صلى الله عليه وسلم يقال تحزبوا عليه اى اجتمعوا { فالنار موعده } اى مكان وعده الذى يصير اليه وفى جعلها موعد اشعار بان له فيها ما يوصف من افانين العذاب { فلا تك فى مرية منه } اى فى شك من امر القرآن وكونه من عند الله { انه الحق من ربك } الذي يربيك فى دينك ودنياك { ولكن اكثر الناس لا يؤمنون } بان ذلك حق لا شبهة فيه اما لقصور انظارهم واختلال افكارهم واما لعنادهم واستكبارهم هذا ما اختاره البيضاوى وتبعه فى ذلك اكثر المفسرين. وقال المولى ابو السعود فى الارشاد ما حاصله ان المراد بالبينة البرهان الدال على حقيقة الاسلام وهو القرآن والكون على بينة من الله عبارة عن التمسك بها ويتلوه اى يتبعه شاهد من القرآن شهيد بكونه من عند الله وهو اعجازه وما وقع فيه من الاخبار بالغيب او شاهد من الله تعالى كالمعجزات الظاهرة على يديه عليه السلام ولما كان المراد بتلو الشاهد للبرهان اقامة الشهادة بصحته وكونه من عند الله تعالى تابعا له بحيث لا يفارقه فى مشهد من المشاهد فان القرآن بينة باقية على وجه الدهر مع شاهدها الذى يشهد بامرها الى يوم القيامة عند كل مؤمن وجاحد.
عطف كتاب موسى فى قوله تعالى { ومن قبله كتاب موسى } على فاعله مع كونه مقدما عليه فى النزول فكأنه قيل أفمن كان على بينة من ربه ويشهد به شاهد آخر من قبل هو كتاب موسى.
وقال فى التأويلات النجمية وحمل الآية فى الظاهر على النبى صلى الله عليه وسلم وابى بكر اولى واحرى فانه عليه السلام كما كان على بينة من ربه كان ابو بكر شاهدا يتلوه بالايمان والتصديق يدل عليه قوله
{ { والذى جاء بالصدق } يعنى النبى عليه السلام وصدق به يعنى ابا بكر رضى الله عنه وهو الذى كان ثانيه فى الغار وتاليه فى الامامة فى مرضه عليه السلام حين قال "مر ابا بكر فليصل بالناس" وكان تاليه بالخلافة باجماع الصحابة وكان منه حيث "قال صلى الله عليه وسلم لابى بكر وعمر رضى الله عنهماانهما منى بمنزلة السمع والبصر" { ومن قبله } اى من قبل ابى بكر وشهادته بالنبوة كان { كتاب موسى } وهو التوراة { اماما } يأتم به قومه بعده وفى ايام محمد صلى الله عليه وسلم كما ائتم به عبد الله بن سلام وسلمان وغيرهما من احبار اليهود ولانه كان فيه ذكر النبى صلى الله عليه وسلم بالنبوة والرسالة { ورحمة } اى الكتاب كان رحمة لاهل الرحمة وهى الذين يؤمنون بالكتاب وبما فيه كما قال { اولئك الذين يؤمنون به } يعنى اهل الرحمة { ومن يكفر به } اى بالكتاب وبما فيه { من الاحزاب } اى حزب اهل الكتاب وحزبالكفار وحزب المنافقين وان زعموا انهم مسلمون لان الاسلام بدعوى اللسان فحسب وانما يحتاج مع دعوى اللسان الى صدق الجنان وعمل الاركان { فلا تك فى مرية منه } اى من ان يكون الكافر بك وبما جئت به من اهل النار لان الايمان بك ايمان بى وان طاعتك طاعتى فلا يخطرن ببالك انى من سعة رحمتى لعلى ارحم من كفر بك كائنا من كان فانى لا ارحمهم لانهم مظاهر قهرى { انه الحق من ربك } اى يكون له مظاهر صفات القهر كما يكون له مظاهر صفات اللطف { ولكن اكثر الناس لا يؤمنون } بصفات لطفه لرجائهم المذموم ولغرورهم المشئوم بكرم الله فانه غرهم بالله وكرمه الشيطان الغرور انتهى: قال الحافظ

دركارخانه عشق از كفرنا كزيرست آتش كرابسوز دكر بولهب نباشد

واعلم ان حضرة القرآن انما نزل لتمييز اهل اللطف واهل القهر فهو البرهان النير العظيم الشان وبه يعلم اهل الطاعة من اهل العصيان ولما كان الكلام صفة من الصفات القديمة له تعالى قال اهل التأويل فى اشارة قوله { أفمن كان على بينة من ربه } اى كشف بيان من تجلى صفة من صفات ربه { ويتلوه شاهد منه } اى ويتبع الكشف شاهد من شواهد الحق فان الكشف يكون مع الشهود ويكون بلا شهود. والمعنى أفمن كان على بينة من كشوف الحق وشواهده كما كان على بينة من العقل والنقل مع احتمال السهو والغلط فيها ولذا: قال الحافظ

غشق ميورزم واميدكه اين فن شريف جون هنر هاى دكر موجب حرمان نشود

وقال الصائب

طريق عقل را بر عشق رجحان مى دهد زاهد عصايى بهتر ازصد شمع كافورست اعمى را

وقال

جمعى كه بشت كرم بعشق ازل نيند نازسمور ومنت سنجاب ميكشند

جعلنا الله واياكم من المستبصرين لشواهد الحق واوصلنا واياكم الى شهود النور المطلق وحشرنا واياكم تحت لواء الفريق الاسبق