التفاسير

< >
عرض

وَأُوحِيَ إِلَىٰ نُوحٍ أَنَّهُ لَن يُؤْمِنَ مِن قَوْمِكَ إِلاَّ مَن قَدْ آمَنَ فَلاَ تَبْتَئِسْ بِمَا كَانُواْ يَفْعَلُونَ
٣٦
-هود

روح البيان في تفسير القرآن

{ واوحى الى نوح انه لن يؤمن من قومك } اى المصرين على الكفر وهو اقناط له عليه السلام من ايمانهم واعلام لكونه كالمحال الذى لا يصح توقعه { الا من قد آمن } الا من قد وجد منه ما كان يتوقع من ايمانه وقد للتوقع وقد اصابت محزها.
وقال المولى ابو السعودرحمه الله هذا الاستثناء على طريقة قوله تعالى
{ { الا ما قد سلف } وقد سبق فى اواخر سورة النساء.
وقال سعدى المفتى ان قيل من قد آمن لا يحدث الايمان بل يستمر عليه فكيف صح اتصال الاستثناء قلنا قد تقرر ان لدوام الامور المستمرة حكم الابتداء ولهذا لو حلف لا البس هذا الثوب وهو لابسه فلم ينزعه فى الحال يحنث ومبنى الايمان على العرف.
وقال القطب العلامة { الا من قد آمن } قد استعد للايمان وتوقع منه ولا يراد الايمان بالفعل والا لكان التقدير الا من قد آمن فانه يؤمن { فلا تبتئس بما كانوا يفعلون } هو تفتعل من البؤس ومعناه الحزن فى استكانة وهى الخضوع اى لا تحزن حزن بائس مستكين ولا تغتم بما كانوا يتعاطون من التكذيب والايذاء فى هذه المدة الطويلة فقد انتهى افعالهم وحان وقت الانتقام منهم وعن النبى صلى الله عليه وسلم انه قال
"ان نوحا كان اذا جادل قومه ضربوه حتى يغشى عليه فاذا افاق قال اللهم اهد قومى فانهم لا يعلمون" انتهى
ولما جاء هذا الوحى من عند الله تعالى دعا عليهم فقال
{ { رب لا تذر على الارض من الكافرين ديارا } : وفى المثنوى

ناحمولى انبيارا از امردان ورنه حمالست بدرا حلمشان
طبع را كشتند اندر حمل بد ناحمولى كركند ازحق بود

قال حضرة الشيخ الاكبر قدس سره الاطهر اول ما يتخلق المتخلق بعدم التأذى باذى الانام باحتماله صبرا ووساطته ان لا يجدهم مؤذين لانه موحد فيستوى عنده المسيئ والمحسن فى حقه وخاتمته ان يرى المسيء محسنا اليه فانه عالم بالحقائق متحقق بالتجلى الالهى وهى بداية التحقيق
والاشارة فى الآية ان نوح الروح لا يؤمن من قومه الا القلب والسر والبدن وجوارحه فاما النفس فانها لا تؤمن ابدا اللهم الا نفوس الانبياء وخواص الاولياء فانها تسلم احيانا دون الايمان وحال النفوس كاحوال الاعراب كقوله تعالى
{ { قالت الاعراب آمنا قل لم تؤمنوا ولكن قولوا اسلمنا ولما يدخل الايمان فى قلوبكم } فان معدن الايمان القلوب ومظهر الاسلام النفوس لان الاسلام الحقيقى الذى قال تعالى فيه { { أفمن شرح الله صدره للاسلام فهو على نور من ربه } هو ضوء قد انعكس من مرآة القلب المنور بنور الايمان فاما اسلام الاعراب اذ قال تعالى لهم ولما يدخل الايمان فى قلوبكم لم يكن ضوأ منعكسا من مرآة القلب المنور ولكن هو ضوء منعكس من النور المودع فى كلمة التوحيد والاعمال الصالحة عند اتيانها بالصدق علم ان ايمان الخواص ينزل من الحق تعالى بنظر عنايته على القلوب القابلة للفيض الآلهى بلا واسطة وايمان العوام يدخل فى قلوبهم من طريق الاقرار باللسان والعمل بالاركان { فلا تبتئس } على نفوس السعداء { بما كانوا يفعلون } من اعمال الشر فانها لهم كالجسد للاكسير ينقلب ذهبا مقبولا عند طرح الروح فلذلك تنقلب اعمال الشر خيرا عند طرح التوبة عليها كما قال تعالى { { اولئك يبدل الله سيآتهم حسنات } { فلا تبتئس } على نفوس الاشقياء { بما كانوا يفعلون } لانها حجة الله على شقاوتهم وبتلك السلاسل يسحبون فى النار على وجوههم كذا فى التأويلات النجمية