التفاسير

< >
عرض

وَمَا مِن دَآبَّةٍ فِي ٱلأَرْضِ إِلاَّ عَلَى ٱللَّهِ رِزْقُهَا وَيَعْلَمُ مُسْتَقَرَّهَا وَمُسْتَوْدَعَهَا كُلٌّ فِي كِتَابٍ مُّبِينٍ
٦
-هود

روح البيان في تفسير القرآن

{ وما } نافية { من } صلة { دابة } عام لكل حيوان يحتاج الى الرزق صغيرا كان او كبيرا ذكرا او انثى سليما او معيبا طائرا او غيره لان الطير يدب اى يتحرك على رجليه فى بعض حالاته { فى الارض } متعلق بمحذوف هو صفة لدابة اى ما فرد من افراد الدواب يستقر فى قطر من اقطار الارض { الا على الله رزقها } غذاؤها ومعاشها اللائق لتكفله اياه تفضلا ورحمة.
قال فى التبيان هو ايجاب كرم لا وجوب حق انتهى لانه لا حق للمخلوق على الخالق ولذا قال فى الجامع الصغير يكره ان يقول الرجل فى دعائه بحق نبيك او بيتك او عرشك او نحوه الا ان يحمل على معنى الحرمة كما فى شرح الطريقة.
وقال فى بحر العلوم انما قال علىالله بلفظ الوجوب دلالة على ان التفضل رجع واجبا كنذور العباد. وقال غيره اتى بلفظ الوجوب مع ان الله تعالى لا يجب عليه شيء عند اهل السنة والجماعة اعتبارا لسبق الوعد وتحقيقا لوصوله اليها البتة وحملا للمكلفين على الثقة به تعالى فى شان الرزق والاعراض عن اتعاب النفس فى طلبه ففى كلمة على هنا استعارة تبعية شبه ايصال الله رزق كل حيوان اليه تفضلا واحسانا على ما وعده بايصال من يوصله وجوبا فى انتفاء التخلف فاستعملت كلمة على [وكفته اند بمعى من است يعنى روزى همه از خداست يا بمعنى الى يعنى روزى مفوض بخذاى تعالى است اكر خواهد بسط كند واكر اراده نمايد قبض كند] { ويعلم مستقرها ومستودعها } يحتمل وجوها
الاول ما روى عن ابن عباس رضى الله عنهما ان مستقرها المكان الذى تاوى اليه ليلا او نهارا او تستقر فيه وتستكن ومستودعها الموضع الذى تدفن فيه اذا ماتت بلا اختيار منها كالشيء المستودع قال عبد الله اذا كان مدفن الرجل بارض ادته الحاجة اليها حتى اذا كان عند انقضاء امره قبض فتقول الارض يوم القيامة هذا ما استودعتنى
والثانى مستقرها محل قرارها فى اصلاب الآباء ومستودعها موضعها فى الارحام وما يجرى مجراها من البيض ونحوه وسميت الارحام مستودعا لانها يوضع فيها من قبل شخص آخر بخلاف وضعها فى الاصلاب فان النطفة بالنسبة الى الاصلاب فى حيزها الطبيعى ومنشأها الخلقى.
والثالث مستقرها مكانها من الارض حين وجودها بالفعل ومستودعها حيث تكون مودعة فيه قبل وجودها بالفعل من صلب او رحم او بيضة ولعل تقديم محلها باعتبار حالتها الاخيرة لرعاية المناسبة بينها وبين عنوان كونها دابة فى الارض.
والرابع مستقرها فى العدم يعلم انه كيف قدرها مستعدة لقبول تلك الصورة المختصة بها ومستودعها لغرض تؤول اليه عند استكمال صورتها. وايضا يعلم مستقر روح الانسان خاصة فى عالم الارواح لانهم كانوا فى اربعة صفوف كما فى الصف الاول ارواح الانبياء وارواح خواص الاولياء وفى الصف الثانى ارواح الاولياء وارواح خواص المؤمنين وفى الصف الثالث ارواح المؤمنين والمسلمين وفى الصف الرابع ارواح الكفار والمنافقين ويعلم مستودع روحه عند استكمال مرتبة كل نفس منهم من دركات النيران ودرجات الجنان الى مقعد صدق عند مليكة مقتدر { كل } اى كل واحد من الدواب ورزقها ومستقرها ومستودعها { فى كتاب مبين } اى مثبت فى اللوح المحفوظ البين لمن ينظر فيه من الملائكة او المظهر لما ثبت فيه للناظرين.
وفى التأويلات النجمية { فى كتاب مبين } اى عنده فى ام الكتاب الذى لا تغير فيه من المحو والاثبات انتهى.
وقد اتفقوا علىان اربعة اشياء لا تقبل التغير اصلا وهى العمر والرزق والاجل او الشقاوة
فعلى العاقل ان لا يهتم لاجل رزقه ويتوكل على الله فانه حسبه

مكن سعديا ديده بردست كس كه بخشنده بروردكارست وبس
اكر حق برستى زدرها بست كه كروى براند نخواند كست

-روى- ان موسى عليه السلام عند نزول الوحى عليه بالذهاب الى فرعون للدعوة الى الايمان تعلق قلبه باحوال اهله قائلا يا رب من يقوم بامر عيالى فامره الله تعالى ان يضرب بعصاه صخرة فضربها فانشقت وخرجت منها صخرة ثانية ثم ضربها بعصاه فخرجت منها دودة وفى فمها شيء يجرى مجرى الغذاء لها ورفع الحجاب عن سمع موسى فسمع الدودة تقول سبحان من يرانى ويسمع كلامى ويعرف مكانى ويذكرنى ولا ينسانى.
"وعن انس رضى الله عنه قال خرجت مع رسول الله صلى الله تعالى عليه وسلم يوما الى المفازة فى حاجة لنا فرأينا طيرا يلحن بصوت جهورى فقال عليه السلام أتدرى ما يقول هذا الطير يا انس قلت الله ورسوله اعلم بذلك قال انه يقول يا رب اذهبت بصرى وخلقتنى اعمى فارزقنى فانى جائع قال انس فبينما نحن ننظر اليه اذا جاء طائر آخر هو الجراد ودخل فى فم الطائر فابتلعه ثم رفع الطائر صوته وجعل يلحن فقال عليه السلام أتدرى ما يقول الطير يا انس قلت الله ورسوله اعلم قال انه يقول الحمد لله الذى لم ينس من ذكره" وفى رواية "من توكل على الله كفاه" كما فى انسان العيون
قيل كان مكتوبا على سيف الحسين بن على رضى الله عنه اربع كلمات. الرزق مقسوم. والحريص محروم. والبخيل مذموم. والحاسد مغموم وفى الحديث
"من جاع واحتاج وكتمه عن الناس وافضى به الى الله تعالى كان حقا على الله ان يفتح له رزق سنة" كما فى روضة العلماء. وحقيقة التوكل فى الرزق وغيره عند المشايخ الانقطاع عن الاسباب بالكلية ثقة بالله تعالى.
وهذا لاهل الخصوص فاما اهل العموم فلا بد لهم من التسبب: كما قال فى المثنوى

كر توكل مكنى در كار كن كسب كن بس تكيه برجبار كن

ثم رزق الانسان يعم جسده وغذاء روحه: وفى المثنوى

اين دوهان بستى دهانى باز شد كو خورنده لقمهاى راز شد
كرز شيرديو تن را وا برى درفطام او بسى نعمت خورى