التفاسير

< >
عرض

وَجَآءَهُ قَوْمُهُ يُهْرَعُونَ إِلَيْهِ وَمِن قَبْلُ كَانُواْ يَعْمَلُونَ ٱلسَّيِّئَاتِ قَالَ يٰقَوْمِ هَـٰؤُلاۤءِ بَنَاتِي هُنَّ أَطْهَرُ لَكُمْ فَاتَّقُواْ اللًّهَ وَلاَ تُخْزُونِ فِي ضَيْفِي أَلَيْسَ مِنْكُمْ رَجُلٌ رَّشِيدٌ
٧٨
-هود

روح البيان في تفسير القرآن

قوله تعالى { وجاءه } اى لوطا وهو فى بيته مع اضيافه { قومه } والحال انهم { يهرعون اليه } يسرعون اليه كأنما يدفعون دفعا طلبا للفاحشة من اضيافه غافلين عن حالهم جاهلين بمآلهم والاهراع والاسراع.
قال فى التهذيب الهرع [براندن سخت وشتابانيدن] يقال اهرع القوم وهرعوا { ومن قبل كانوا يعملون السيئات } الجملة ايضا من قومه اى جاؤا مسرعين والحال انهم كانوا من قبل هذا الوقت وهو وقت مجيئهم الى لوط منهمكين فى عمل الفواحش [عملهاى بد از لواطه وكبوتر بازى وصفير زدن درمجالس وبراى استهزا نشستن برسرراهها] فتمرنوا بها اى تعودوا واستمروا حتى لم تعب عندهم قباحتها ولذلك لم يستحيوا مما فعلوا من مجيئهم مهرعين مجاهرين.
وفى التأويلات النجمية كانوا يعملون السيآت الموجبة للهلاك والعذاب فجاوا مسرعين مستقبلى العذاب وطلبوا من بيت النبوة من اهل الطهارة معاملة ساءتهم بخباثة نفوسهم ليستحقوا بذلك كمال الشقاوة وسرعة العذاب انتهى.
ودل ما ذكر ان جهار الفسق فوق اخفائه ولذا رد شهادة الفاسق المعلن وفى الحديث
"كل امتى معافى الا المجاهرون" اى لكن المجاهرون بالمعاصى لا يعافون بل يؤخذون فى الدنيا ان كانت مما يتعلق بالحدود واما فى الآخرة فمطلقا: قال السعدى قدس سره

نه هركز شنيدم درين عمر خويش كه بد مردرا نيكى آمد بيبش
نه ابليس بدكرد ونيكى نديد بر باك نايد زتخم بليد

{ قال يا قوم } [اى قوم من] { هؤلاء } مبتدأ خبره قوله { بناتى } الصلبية فتزوجوهن وكانوا يطلبونهن من قبل ولا يجيبهم لخبثهم وعدم كفاءتهم لا لعدم مشروعيته فان تزويج المسلمات من الكفار كان جائزا فى شريعته وهكذا فى اول الاسلام بدليل انه عليه السلام زوج ابنتيه من ابى العاص بن وائل وعتبة بن ابى لهب قبل الوحى وهما كافران ثم نسخ ذلك بقوله تعالى { { ولا تنكحوا المشركين حتى يؤمنوا } وقيل لهم سيدان مطاعان فاراد ان يزوجهما ابنتيه واياما كان فقد اراد به وقاية ضيفه وذلك غاية فى الكرم { هن } مبتدأ خبره قوله { اطهر لكم } هذا لا يدل على ان اتيان الذكور كان طاهرا كما لا يدل قولك النكاح اطهر من الزنى على كون الزنى طاهرا لانه خبث ليس فى شيء من الطهارة لكن هؤلاء القوم اعتقدوا ذلك طهارة فبنى ذلك على زعمهم الفاسد واعتقادهم الباطل وهو مثل ما قال النبى عليه السلام لعمر رضى الله عنه "الله اجل واعلى" جوابا لابى سفيان حيث قال اعل هبل اعتقد علو صنمه وذلك اعتقاد فاسد لا شبهة فيه.
يقول الفقير عرض عليهم اولا بناته لكى يرغبوا فيهن فينسد باب الفتنة ففيه حسن دفع لهم من اول الامر وبناته وان لم تف للجمع الكثير لانه على ما روى كان له بنتان لكنه اذا رضى بهن البعض ممن كان مطاعا انقطع عرق النزاع من الاتباع ولئن سلم انه لم يكن فيهم مطاع فلقد شاهدنا اندفاع شر كثير بخير يسير ثم حكم بكونهن اطهر وهو للزيادة المطلقة على ما ذهب اليه الرازى فى الكبير تأكيدا للترغيب وتقبيحا لحالهم فى استطابة الخبائث لينزجروا ويتركوا ما هم عليه من اللواطة فانه اذا كان المحيض اذى وقذرا يجب التجنب عنه مع كون المحل مباح الاصل فلأن يكون الجزاء كذلك اولى مع كون المحل حرام الاصل { فاتقوا الله } بترك الفواحش او بايثارهن عليهم { ولا تحزون } [مرا رسواى نكنيد] { فى ضيفى } فى حقهم وشأنهم فان اخزآء ضيف الرجل اخزاؤه كما ان اكرام من يتصل به اكرامه. والضيف مصدر فى الاصل يكون للقليل والكثير { أليس منكم رجل رشيد } رجل واحد يهتدى الى الحق ويرعوى عن القبيح.
وقال الكاشفى [آيانيست ازشما مردى راه يافته كه شمارا بند دهد واز عملهاى بد باز دارد].
وفى التأويلات النجمية رجل رشيد يقبل نصحى ويتوب الى الله بالصدق فينجيكم من العذاب ببركته انتهى.
وذلك لان الواحد على الحق كالسواد الاعظم وكالاكسير