التفاسير

< >
عرض

وَكَذٰلِكَ مَكَّنَّا لِيُوسُفَ فِي ٱلأَرْضِ يَتَبَوَّأُ مِنْهَا حَيْثُ يَشَآءُ نُصِيبُ بِرَحْمَتِنَا مَن نَشَآءُ وَلاَ نُضِيعُ أَجْرَ ٱلْمُحْسِنِينَ
٥٦
-يوسف

روح البيان في تفسير القرآن

{ وكذلك } الكاف منصوبة بالتمكين وذلك اشارة الى ما انعم الله به عليه من انجائه من غم الحبس وجعل الملك الريان اياه خالصا لنفسه { مكنا ليوسف } اى جعلنا له مكانا { فى الارض } اى ارض مصر وكانت اربعين فرسخا فى اربعين كما فى الارشاد.
وقال فى المدارك التمكين الاقدار واعطاه القدرة.
وفى تاج المصادر مكنه فى الارض بوأه اياها يتعدى بنفسه واللام كنصحته ونصحت له.
وقال ابو على يجوز ان يكون على حد ردف لكم { يتبوأ منها } حال من يوسف اى ينزل من بلادها { حيث يشاء } ويتخذه مباءة ومنزلا وهو عبارة عن كمال قدرته على التصرف فيها ودخولها تحت سلطانه فكأنها منزله يتصرف فيها كما يتصرف الرجل فى منزله وفى الحديث
"رحم الله اخى يوسف لو لم يقل اجعلنى على خزائن الارض لاستعمله من ساعته ولكنه اخر ذلك سنة" وعن ابن عباس رضى الله عنهما لما انصرمت السنة من يوم سأل الامارة دعاه الملك فتوجه وختمه بخاتمه وردّاه بسيفه ووضع له سريرا من ذهب مكللا بالدر والياقوت وطول السرير ثلاثون ذراعا وعرضه عشرة اذرع عليه ثلاثون فراشا فقال يوسف اما السرير فاشدّ به ملكك واما الخاتم فادبر به امرك واما التاج فليس من لباسى ولا لباس آبائى فقال الملك فقد وضعته اجلالا لك واقرارا بفضلك فجلس على السرير واتت له الملوك وفوض اليه الملك امره كما قال المولى الجامى

جوشاه ازوى بديد اين كار سازى بملك مصر دادش سرفرازى
سبه را بنده فرمان او كرد زمين را عرصه ميدان او كرد

ونعم ما قيل

بيرست جرخ واختر بخت تو نو جوان آن به كه بير نوبت خود باجوان دهد

وكان يوسف يومئذ ابن ثلاثين سنة كما فى التبيان واقام العدل فى مصر واحبته الرجال والنساء وامر اهل كل قرية وبلدة بالاشتغال بالزرع وترك غيره فلم يدعوا مكانا الا زرعوه حتى بطون الاودية ورؤوس الجبال مدة سبع سنين وهو يأمرهم ان يدعوه فى سنبله فاخذ منهم الخمس وجعله فى الاهراء وكذا ما وزعه السلطان ثم اقبلت السنون المجدبة فحبس الله عنهم القطر من السماء والنبات من الارض حتى لم ينبت لهم حبة واحدة فاجتمع الناس وجاؤا له وقالوا له يا يوسف قد فنى ما فى بيوتنا من الطعام فبعنا مما عندك فامر يوسف بفتح الاهراء وباع من اهل مصر فى سنى القحط الطعام فى السنة الاولى بالدراهم والدنانير وفى الثانية بالحلى والجواهر وفى الثالة بالدواب وفى الرابعة بالعبيد والاماء وفى الخامسة بالضياع والعقار وفى السادسة باولادهم وفى السابعة برقابهم حتى استرقهم جميعا فقالوا ما رأينا ملكا اجل واعظم منه فقال يوسف للملك كيف رأيت صنع ربى فيما خولنى فما ترى فقال ارى رأيك ونحن لك فقال انى اشهد الله واشهدك انى قد اعتقت اهل مصر عن آخرهم ورددت عليهم املاكهم.
قال الكاشفى [حكمت درين آن بود كه مصر يان يوسف را بوقت خريد وفروخت درصورت بندكى ديده بودند قدرت ازلى همه را طوق بندكى او در كردن نهاد تاكسى راكه درباره او سختى بى ادبانه نرسد] وكان لا يبيع من احد من الممتارين اكثر من حمل بعير تقسيطا بين الناس وكان لم يشبع مدة القحط مخافة نسيان الجياع: قال السعدى قدس سره

آنكه در راحت وتنعم زيست اوجه داندكه حال كرسنة جيست
حال درماندكى كسى داند كه باحوال خود فروماند

{ نصيب برحمتنا } [ميرسانيم برحمت خود از نعيم دينى ودنيوى وصورى ومعنوى] فالباء للتعدية { من نشاء } كل من نريد له ذلك لا يمنعنا منه شيء { لا نضيع اجر المحسنين } عملهم بل نوفيه بكماله فى الدنيا والآخرة -روى- عن سفيان بن عيينة المؤمن يثاب على حسناته فى الدنيا والآخرة والفاجر يعجل له الخير فى الدنيا وماله فى الآخرة من خلاق وتلا هذه الآية وفى الحديث "ان للمحسنين فى الجنة منازل حتى المحسن الى اهله واتباعه" والاحسان وان كان يعم امورا كثيرة ولكن حقيقته المشاهدة والعيان وهى ليست رؤية الصانع بالبصر وهو ظاهر بل هو المراد بها حالة تحصل عند الرسوخ فى كمال الاعراض عما سوى الله تعالى وتمام توجهه الى حضرته بحيث لا يكون فى لسانه وقلبه وهمه غير الله تعالى وسميت هذه الحالة مشاهدة لمشاهدة البصيرة اياه تعالى كما اشار اليها بعض العارفين بقوله

خيالك فى عينى وذكرك فى فمى وحبك فى قلبى فاين تغيب