التفاسير

< >
عرض

وَكَذٰلِكَ يَجْتَبِيكَ رَبُّكَ وَيُعَلِّمُكَ مِن تَأْوِيلِ ٱلأَحَادِيثِ وَيُتِمُّ نِعْمَتَهُ عَلَيْكَ وَعَلَىٰ ءَالِ يَعْقُوبَ كَمَآ أَتَمَّهَآ عَلَىٰ أَبَوَيْكَ مِن قَبْلُ إِبْرَاهِيمَ وَإِسْحَاقَ إِنَّ رَبَّكَ عَلِيمٌ حَكِيمٌ
٦
-يوسف

روح البيان في تفسير القرآن

{ وكذلك } اى مثل اجتبائك واختيارك من بين اخوتك لمثل هذه الرؤيا العظيمة الدالة على شرف وعز وكبرياء شأنك فالكاف فى محل النصب على انه صفة مصدر محذوف { يجتبيك ربك } يختارك ويصطفيك لما هو اعظم منها كالنبوة ويبرز مصداق تلك الرؤيا فى عالم الشهادة اذ لا بد لكل صورة مرئية فى عالم المثال حقيقة واقعة فى عالم الشهادة وان كانت الدنيا كلها خيالا كما سيتأتى تحقيقه

خيال جملة جهانرا بنور جشم يقين بجنب بحر حقيقت سراب مى بينم

{ ويعلمك } كلام مبتدأ داخل فى حكم التشبيه كأنه قيل وهو لا يعلمك لان الظاهر ان يشبه الاجتباء بالاجتباء والتعليم غير الاجتباء فلو كان داخلا فى حكم التشبيه كان المعنى ويعلمك تعليما مثل الاجتباء بمثل هذه الرؤيا وظاهر سماجته فان الاجتباء وجه الشبه بين المشبه والمشبه به ولم يلاحظ فى التعليم ذلك كذا قالوا.
يقوال الفقير هذا هو منهما نعمة جسيمة من الله تعالى كما يدل عليه مقام الامتنان فلا سماجة { من تأويل الاحاديث } اى ذلك الجنس من العلوم فتطلع على حقيقة ما اقول فان من وفقه الله تعالى لمثل هذه الرؤيا لا بد من توفيقه لتعبيرها فان علم التعبير من لوازم الاجتباء غالبا
والمراد بتأويل الاحاديث تعبير الرؤى جمع الرؤيا اذ هى اما احاديث الملك ان كانت صادقة او احاديث النفس والشيطان ان لم تكن كذلك وتسميتها تأويلا لانه يؤول امرها اليه اى يرجع الى ما يذكره المعبر من حقيقتها. والاحاديث اسم جمع للحديث ومنه احاديث الرسول والحديث فى اللغة الجديد وفى عرف العامة الكلام وفى عرف المحدثين ما يحدث عن النبى عليه السلام فكأنه لوحظ فيه مقابلة القرآن اذ ذاك قديم وها حادث. وفى الصحاح الحديث ضد القديم ويستعمل فى قليل الكلام وكثيره لانه يحدث شيئا فشيئا { ويتم نعمته عليك } يا يوسف يجوز ان يتعلق بقوله يتم وان يتعلق بنعمته اى بان يضم الى النبوة المستفادة من الاجتباء الملك ويجعله تتمة لها وتوسيط التعليم لرعاية الوجود الخارجى { وعلى } كرر على ليمكن العطف على الضمير المجرور { آل يعقوب } الآل وان كان اصله الاهل الا انه لا يستعمل الا فى الاشراف بخلاف الاهل وهم اهله من بيته وغيرهم فان رؤية يوسف اخوته كواكب يهتدى بانوارها من نعم الله عليهم لدلالتها على مصي امرهم الى النبوة فيقع كل ما يخرج من القوة الى الفعل اتماما لتلك النعمة.
وقال سعدى المفتى غاية ما تدل رؤيتهم على صور الكواكب الى نبوتهم لان الفرد الكامل للهداية ان يكون ذلك بالنبوة ولذلك قد قال الله تعالى فى حق الانبياء
{ { وجعلناهم ائمة يهدون بامرنا } فاعرف ذلك { كما اتمها على ابويك } نصب على المصدرية اى ويتم نعمته عليك اتماما كائنا كاتمام نعمته على ابويك وهى نعمة الرسالة والنوبة { من قبل } اى من قبل هذا الوقت او من قبلك { ابراهيم واسحق } عطف بيان لابويك والتعبير عنهما بالاب مع كونهما ابا جده وابا ابيه للاشعار بكمال ارتباطه بالانبياء الكرام.
قال فى الكواشى الجد اب فى الاصالة يقال فلان بن فلان وبينهما عدة آباء انتهى
اما اتمامها على ابراهيم فباتخاذه خليلا وبانجائه من النار ومن ذبح الولد. واما على اسحاق فباخراج يعقوب والاسباط من صلبه وكل ذلك نعم جليلة وقعت تتمة لنعمة النبوة ولا يجب في تحقيق التشبيه كون ذلك في جانب المشبه به مثل ما وقع في جانب المشبه به من كل وجه.
والاشارة ان اتمام النعمة على يوسف القلب بان يتجلى له ويستوى عليه اذ هو عرش حقيقى للرب تعالى دون ما سواه كما قال تعالى
"لا يسعنى ارضى وسمائى وانما يسعنى قلب عبدى المؤمن"

دردل مرمن بكنجم اى عجب كرمرا جوئى دران دلها طلب

ولهذا الاستحقاق كان يويف القلب مختصا بكمال الحسن واذا تجلى الله تعالى للقلب تنعكس انوار التجلى من مرآة القلب على جميع المتولدات من الروح كالحواس والقوى وغيرهما من آل يعقوب الروح { ان ربك } اى يفعل ما ذكر لان ربك { عليم } اى عليم { حكيم } اى حكيم وهو معنى مجيئهما نكرتين اى واسع العلم باهر الحكمة يعلم من يحق له الاجتباء ولا يتم نعمته الا على من يستحقها او يفعل كما يفعل على مقتضى الحكمة والصواب.
اعلم ان الله تعالى قدم فى بعض المواضع الاسم الحكيم على الاسم العليم وعكس فى بعضها كما فى هذا المقام. اما الاول فباعتبار حضرة العلم لان العلم فى تعلقه فى الاعيان والحقائق العلمية تابع للحكمة وذلك عبارة عن كونه تابعا للعلوم حيث تعلق به فى تلك الحضرة على وجه ما اعطاه اياه من نفسه. واما الثانى فهو اعتبار حضرة العين لان الحكمة فى تعلقها بالتعينات والصور المعينة تابعة للعلم وهذا عبارة عن كون المعلوم تابعا للعلم حيث انما تعلقت بها فى هذه الحضرة على وجه ما اعطاه العلم اياها من نفسه على الوجه الاول فلا جرم ان المتبوع فى أية مرتبة كان له التقدم والتابع كذلك له التأخر جدا ولا شك ان المعتبر انما هو تقدم المعلومات على تعلق العلم بالذات فى الحضرة الاولى وتأخرها عنه فى الثانية والحكمة انما هى ترتب تلك المعلومات فى مراتبها ووضعها فى مواضعها فى اية حضرة كانت وهذا الترتيب والوضع فى اى مرتبة كان اذا وقع من الحكيم العليم بحسب اقتضاءات استعداداتها الكلية الازلية وبقدر استدعاءات قابليتها الجزئية الابدية فى النشاءات الدنيوية والبرزخية والنشرية والحشرية والنيرانية والجنانية والجسمانية والروحانية وغير ذلك من سائر النشاءات فافهم هداك الله الى الفهم عن الله كذا فى بعض تحريرات شيخنا الاجل ومرشدنا الاكمل قدس الله نفسه الزاكية وروح روحه فى جميع المواطن كلها آمين