التفاسير

< >
عرض

لَهُ مُعَقِّبَاتٌ مِّن بَيْنِ يَدَيْهِ وَمِنْ خَلْفِهِ يَحْفَظُونَهُ مِنْ أَمْرِ ٱللَّهِ إِنَّ ٱللَّهَ لاَ يُغَيِّرُ مَا بِقَوْمٍ حَتَّىٰ يُغَيِّرُواْ مَا بِأَنْفُسِهِمْ وَإِذَا أَرَادَ ٱللَّهُ بِقَوْمٍ سُوۤءًا فَلاَ مَرَدَّ لَهُ وَمَا لَهُمْ مِّن دُونِهِ مِن وَالٍ
١١
-الرعد

روح البيان في تفسير القرآن

{ له } اى لله تعالى او للانسان الموصوف بما ذكر { معقبات من بين يديه ومن خلفه } جمع معقبة والتاء للمبالغة كما فى علامة لا للتأنيث فان الملك لا يوصف بالذكورة ولا بالانوثة وصيغة التفعيل للمبالغة والتكثير كما فى قولك طوف البيت لا للتعدية. والتعقيب [در عقب كسى بيامدن] كما فى التهذيب يقال عقبه تعقيبا جاء بعقبه. والمعقبات ملائكة الليل والنهار كما فى القاموس. وقيل للملائكة الحفظة معقبات لكثرة تعاقب بعضهم بعضا فى النزول الى الارض بعضهم بالليل وبعضهم بالنهار اذا مضى فريق خلفه فريق اى يعقب ملائكة الليل وملائكة النهار وملائكة النهار ملائكة الليل ويجتمعون فى صلاة الفجر والعصر. والمعنى له ملائكة يتعاقب بعضهم بعضا كائنون من امام الانسان ووراء ظهره اى يحيطون من جوانبه { يحفظونه من امر الله } من بأسه ونقمته اذا اذنب بدعائهم له ومسألتهم ربهم ان يمهله رجاء ان يتوب من ذنبه وينيب او يحفظونه من المضار التى امر الله بالحفظ منها.
قال مجاهد ما من عبد الاله ملك موكل به يحفظه فى نومه ويقظته من الجن والانس والهوام فما يأتيه منهم شئ يريده الا قال وراءك الا شئ يأذن الله فيه فيصيبه - وروى - عن عمرو بن ابى جندب قال كنا جلوسا عند سعيد بن قيس بصفين فاقبل على رضى الله عنه يتوكأ على عنزة له بعدما اختلط الظلام فقال سعيدا امير المؤمنين قال نعم قال أما تخاف ان يغتالك احد قال انه ليس من احد الا ومعه من الله حفظة من ان يتردى فى بئر او يخر من جبل او يصيبه حجر او تصيبه دابة فاذا جاء القدر خلوا بينه وبين القدر.
قال فى اسئلة الحكم اختلف العلماء فى عدد الملائكة التى وكلت على كل انسان فقيل عشرون ملكا وقيل اكثر والاول اصح لان عثمان رضى الله عنه سأل رسول الله صلى الله عليه وسلم عن ذلك فذكر عشرين ملكا وقال ملك عن يمينك على حسناتك وهو أمير على الملك الذى عن يسارك كما قال تعالى
{ { عن اليمين وعن الشمال قعيد } وملكان بين يديك ومن خلفك لقوله تعالى { له معقبات من بين يديه ومن خلفه يحفظونه من امر الله } وملك قائم على ناصيته اذا تواضع لله رفعه واذا تجبر على الله قصمه وملكان على شفتيك يحفظان عليك الصلاة على النبى عليه السلام وملك على فيك لا يدع الحية تدخل فيك وملكان على عينيك فهؤلاء عشرة املاك على كل آدمى فتنزل ملائكة الليل على ملائكة النهار فهؤلاء عشرون ملكا على كل آدمى وابليس بالنهار واولاده بالليل.
قال بعض الائمة ان قلت الملائكة التى ترفع عمل العبد فى اليوم هم الذين يأتون ام غيرهم قلت الظاهر انهم هم وان ملكى الانسان لا يتغيران عليه ما دام حيا فاذا مات قالا يا رب قد قبضت عبدك فالى اين نذهب قال تعالى
"سمائى مملوءة من ملائكتى وارضى مملوءة من خلقى يطيعوننى اذهبا الى قبر عبدى فسبحانى وحمدانى وهللانى وكبرانى ومجدانى وعظمانى واكتبا ذلك كله لعبدى الى يوم القيامة" وقيل المعقبات اعوان السلطان فهو توبيخ الغافل المتمادى فى غروره والتهكم به على اتخاذه الحراس بناء على توهم انهم يحفظونه من امر الله وقضائه كما يشاهد من بعض الملوك والسلاطين.
والعاقل يعلم ان القضايا الالهية والنوازل المقدرة مما لا يمكن التحفظ منه فانظروا رأيهم وما ذهبوا اليه

از كمان قضا جوتير قدر بدر آمد نشد مفيد سير

ويقال للمؤمنين طاعات وصدقات يحفظونه من عذاب الله عند الموت وفى القبر وفى القيامة.
قال بعض السلف اذا احتضر المؤمن يقال للملك شم رأسه فيقول اجد فى رأسه القرآن فيقال شم قلبه فيقول اجد فى قلبه الصيام فيقال شم قدميه فيقول اجد فى قدميه القيام فيقال حفظ نفسه حفظه الله { ان الله لا يغير ما بقوم } من العافية والنعمة { حتى يغيروا ما بانفسهم } حتى يتركوا الشكر وينقلبوا من الاحوال الجميلة الى القبيحة

كرت هواست معشوق نكساد بيوند نكاه دار سر رشته تانكه دارد

وفى التأويلات النجمية { ان الله لا يغير ما بقوم } من الوجود والعدم { حتى يغيروا ما بانفسهم } باستدعاء الوجود والعدم بلسان الاستحقاق للوجود والعدم على مقضتى حكمته ووفق مشيئة انتهى.
وفى الآية تنبيه لجميع الناس ليعرفوا نعمة الله عليهم ويشكروا له كيلا تزول فدوران اللسان بالذكر والجنان بالفكر من الامور الجميلة فاذا تحول المرء من الذكر الى النسيان فقد تحول الى الحالة القبيحة فاذا لا يجد من الفيض الالهى ما يجده قبل وقد غير الله بشؤم المعصية اشياء كثيرة غير ابليس وكان اسمه عزرائيل فسماه ابليس.
قال ابراهيم بن ادهم مشيت فى زرع انسان فنادانى صاحبه يا بقر فقلت غير اسمى بزلة فلو كثرت لغير الله معرفتى وكذا غير اسمى هاروت وماروت وكان اسمهما قبل اقتراف الذنب عزا وعزايا وكذا غير لون حام بن نوح اذ نظر الى عورة ابيه وكان نائما فاخبر نوح بذلك فدعا عليه فسوده الله فالهند والحبشة من نسله وقيل ان نوحا قال لاهل السفينة وهى تطوف بالبيت العتيق انكم فى حرم الله وحول بيته لا يمس احد امرأة وجعل بينهم وبين النساء حاجزا فتعدى ولده حام ووطئ زوجه فدعا الله عليه بان يسود لون بنيه فاجاب الله دعاءه وغير الصورة على داود بزلة واحدة وغير الصورة على قوم موسى لاخذهم الحيتان فصيرهم قردة وعلى قوم عيسى فصيرهم خنازير وغير المال والبساطين على آل القطروس حيث منعوا الناس عنها فاحرقتها نار وكذلك هلاك اموال القبط بدعاء موسى
{ { ربنا اطمس على اموالهم } الآية فصار ماؤهم دما واموالهم حجرا وغير العلم على امية بن ابى الصلت كان نائما فاتاه طائر وادخل منقاره فى فيه فلما استيقظ نسى جميع علومه وكان من بلغاء قريش وكان يرجو ان يكون هو نبى آخر الزمان او وعد الايمان به فلما بعث نبينا صلى الله عليه وسلم انكره وغير المكان على آدم بزلة واحدة وخسف بقارون الارض حيث منع الزكاة: قال الحافظ

كنج قارون فروميرود ازقهر هنوز خوانده باشى كه هم ازغيرت دوريشانست

وغير اللسان على رجل بسبب العقوق نادته والدته فلم يجبها فصار اخرس وغير الايمان على برصيصا بعد ما عبد الله مائتين وعشرين سنة ولم يعص الله فيها طرفة عين لانه لم يشكر يوما على نعمة الاسلام

شكر نعمت نعمتت افزون كند كفر نعمت از كفت بيرون كند

{ واذا اراد الله بقوم سوأ } عذابا وهلاكا { فلا مرد له } فلا رد له والعامل فى اذا ما دل عليه قوله فلا مرد له وهو لا يرد واذا عند نحاة البصرة حقيقة فى الظرف وقد تجئ للشرط من غير سقوط معنى الظرف نحو اذا قمت اى اقوم وقت قيامك تعليقا لقيامك بقيامه بمنزلة تعليق الجزاء بالشرط ودخوله اما فى امر كائن متحقق فى الحال نحو

اذا ارى الدنيا وابناءها استعصم الرحمن من شرها

اوامر منتظر لا محالة مثل { { اذا وقعت الواقعة } و { { اذا الشمس كورت } فهى ترد الماضى الى المستقبل لانها حقيقة فى الاستقبال وعند الكوفيين يجئ للظرف والشرط نحو

واذا يحاس الحيس يدعى جندب

ونحو

واذا تصبك خصاصة فتحمل

{ ومالهم } اى لمن اراد تعالى هلاكه { من دونه } سوى الله تعالى { من وال } ممن يلي امرهم ويدفع عنهم السوء. والوالى من اسماء الله تعالى وهو من ولى الامور وملك الجمهور والولاية تنفيذ القبول على الغير شاء الغير او ابى.
وفيه دليل على ان خلاف مراد الله محال فانه المتفرد بتدبير الاشياء المنفذ للتدبير ولا معقب لحكمه