التفاسير

< >
عرض

هُوَ ٱلَّذِي يُرِيكُمُ ٱلْبَرْقَ خَوْفاً وَطَمَعاً وَيُنْشِىءُ ٱلسَّحَابَ ٱلثِّقَالَ
١٢
-الرعد

روح البيان في تفسير القرآن

{ هو } تعالى وحده { الذى يريكم البرق } هو الذى يلمع من السحاب من برق الشئ بريقا اذا لمع { خوفا } اى ارادة خوف او اخافة من الصاعقة وخراب البيوت { وطمعا } اى ارداة طمع او اطماعا فى الغيث ورجاء بركته وزوال المشقة والمطر يكون لبعض الاشياء ضررا ولبعضها رحمة فيخاف منه المسافر ومن فى خزينته التمر والزبيب ومن له بيت لا يكف ويطمع فيه المقيم واهل الزرع والبساتين ومن البلاد ما لا ينتفع اهله بالمطر كاهل مصر فان انتفاعم انما هو بالنيل وبالمطر يحصل الوطر.
وفيه اشارة الى ان فى باطن جمال الله تعالى جلالا وفى باطن جلاله جمالا واسندا الاراءة الى ذاته لانه الخالق فى الابصار نورا يحصل به الرؤية للخلائق وهذه الاراءة اما متعلقة بعالم الملك وهى ظاهرة واما متعلقة بعالم الملكوت فمعناها ان الله تعالى اذا ارى السائر برقا من لمعان انوار الجلال يغلب عليه خوف الانقطاع واليأس واذا اراه برقامن تلألؤ انوار الجمال يغلب عليه الرجاء والاستثناء { وينشئ السحاب } اي يبتدئ انشاء السحاب اى خلقه وفيه دلالة على ان السحاب يعدمه الله تعالى ثم يخلقه جديدا والسحاب اسم جنس والواحدة سحابة ولذا وصف بقوله { الثقال } بالماء جمع.
واختلف فى ان الماء ينزل من السماء الى السحاب او يخلقه الله فى السحاب فيمطر.
وفى حواشى ابن الشيخ السحاب جسم مركب من اجزاء رطبة مائية ومن اجزاء هوائية وهذه الاجزاء المائية المشوبة بالاجزاء الهوائية انما حدثت وتكونت فى جو الهواء بقدرة المحدث القادر على ما شاء والقول بان تلك الاجزاء تصاعدت من الارض فلما وصلت الى الطبقة الباردة من الهواء بردت فثقلت فرجعت الى الارض باطل لان الامطار مختلفة فتارة تكون قطراتها كبيرة وتارة تكون صغيرة وتارة متقاربة وتارة متباعدة وتارة تدوم زمانا طويلا وتارة لا تدوم فاختلاف الامطار فى هذه الصفات مع ان طبيعة الارض واحدة وكذا طبيعة الشمس المسخنة للبخارات واحدة لا بد ان يكون بتخصيص الفاعل المختار.
وايضا فالتجربة دلت على ان للدعاء والتضرع فى نزول الغيث اثرا عظيما ولذلك كان صلاة الاستسقاء مشروعة فعلمنا ان المؤثر فيه هو قدرة الفاعل لا الطبيعة والخاصية.
يقول الفقير ان المردود هو اسناد الحوادث الى الكون من غير ملاحظة تأثير الله تعالى فيها واما اذا اسندت الى الاسباب مع ملاحظة المسبب فهو مقبول لان هذا العالم عالم الاسباب والحكمة وما هو ادخل فى القدرة الالهية فهو اولى بالاعتبار.