التفاسير

< >
عرض

وَلِلَّهِ يَسْجُدُ مَن فِي ٱلسَّمَٰوَٰتِ وَٱلأَرْضِ طَوْعاً وَكَرْهاً وَظِلالُهُم بِٱلْغُدُوِّ وَٱلآصَالِ
١٥
-الرعد

روح البيان في تفسير القرآن

{ ولله يسجد } حقيقة وهو بوضع الجبهة على الارض { من فى السموات } يعنى الملائكة وارواح الانبياء والاولياء واهل الدرجات من المؤمنين { والارض } من الملائكة والمؤمنين من الثقلين { طوعا } حال اى طائعين حالتى الشدة والرخاء { وكرها } اى كالكارهين حالة الشدة والضرورة وذلك من الكافرين والمنافقين والشياطين. ويقال من ولد فى الاسلام طوعا ومن سبى من دار الحرب كرها وفى الحديث "عجب ربك من قوم يساقون الى الجنة بالسلاسل" وفيه اشارة الى ان من اهل المحبة والوفاء من يطلب لدخول الجنة فيأبى ذلك طلبا للقيام بالخدمة فتوضع فى اعناقهم السلاسل من الذهب فيدخلون بها الجنة: قال الكمال الخنجدى

نيست ماراغم طوبى وتمناى بهشت شيؤه مردم نااهل بودهمت بست

{ وظلالهم } على حذف الفعل اى ويسجد ظلال اهل السموات والارض بالعرض اى تبعا لذى الظل ويجوز ان يراد بالسجود معناه المجازى وهو انقيادهم لاحداث ما اراده الله فيهم شاؤوا او كرهوا وانقياد ظلالهم لتصريفه اياها بالمد والتقليص ونقلها من جانب الى جانب فالكل مذلل ومسخر تحت الاحكام والتقدير { بالغدو والآصال } الغدو جمع غداة وهى البكرة والآصال جمع اصيل وهو العشى من حين زوال الشمس الى غيبوبتها كما فى بحر العلوم.
وقال فى الكواشى وغيره الاصيل ما بين العصر وغروب الشمس والباء بمعنى فى ظرف ليسجد اى يسجد فى هذين الوقتين والمراد بهما الدوام لان السجود سواء اريد به حقيقته او الانقياد والاستسلام لا اختصاص له بالوقتين وتخصيصهما مع ان انقياد الظلال وميلانها من جانب الى جانب وطولها بسبب انحطاط الشمس وقصرها بسبب ارتفاعها لا يختص بوقت دون وقت بل هى مستسلمة منقادة لله تعالى فى عموم الاوقات لان الظلال انما تعظم وتكثر فيهما.
قال فى التأويلات النجمية وظلالهم اى نفوسهم فان النفوس ظلال الارواح وليس السجود بالطوع من شأن النفوس لان النفس امارة بالسوء الا ما رحم الرب تعالى لتسجد طوعا والاكراه على السجود بتبعية الارواح وايضا ولله يسجد من فى السموات اى سموات القلوب والارواح والعقول طوعا والارض اى من فى ارض النفوس من صفات النفس والحيوانية والسبعية والشيطانية كرها لانه ليس من طبعهم السجود والانقياد اهـ.
قال بعض الكبار من اسرار هذا العالم انه ما من حادث الا وله ظل يسجد لله تعالى سواء كان ذلك الحادث مطيعا او عاصيا فان كان من اهل الموافقة فهو ساجد مع ظلاله وان كان من اهل المخالفة فالظل نائب منابه فى الطاعة [وحقيت آنست كه طوع ورغبت صفت آنهاست كه لطف ازل نهال ايمان در زمين دل ايشان نشانده ونفرت وكراهيت خاصيت آنانكه قهر لم يزل تخم خذلان در مزرعه نفس نفرمان ايشان فشانده]

برآن زخمى زندكين بى نيازيست برين مرهم نهدكين دلنوازيست

قال الكاشفى [اين سجده دوم است ازسجدات قرآنى وحضرت شيخ رضى الله عنه در سفر سابع ازفتوحات كه ذكر سجده قرآنى ميكند اين را سجود الظلال وسجود العام كفته وفرموده كه لازم است بنده تصديق كند خدايرا درين خبر وسجده آرد] وقد سبق فى آخر الاعراف ما يتعلق بسجدة التلاوة فارجع.
واما سجدة الشكر وهى ان يكبر ويخر ساجدا مستقبل القبلة فيحمده تعالى ويشكره ويسبح ثم يكبر فيرفع رأسه فقد قال الشافعى يستحب سجود الشكر عند تجدد النعم كحدوث ولد أو نصر على الاعداء ونحوه وعند رفع نقمة كنجاة من عدو او غرق ونحو ذلك وعن ابى حنيفة ومالك ان سجود الشكر مكروه ولو خضع فتقرب لله تعالى بسجدة واحدة من غير سبب فالارجح انه حرام قال النووى ومن هذا ما يفعله كثير من الجهلة الضالين من السجود بين يدى المشايخ فان ذلك حرام قطعا بكل حال سواء كان الى القبلة او لغيرها وسواء قصد السجود لله او غفل وفى بعض صوره ما يقتضى الكفر كذا فى الفتح القريب