التفاسير

< >
عرض

ٱللَّهُ ٱلَّذِي رَفَعَ ٱلسَّمَٰوَٰتِ بِغَيْرِ عَمَدٍ تَرَوْنَهَا ثُمَّ ٱسْتَوَىٰ عَلَى ٱلْعَرْشِ وَسَخَّرَ ٱلشَّمْسَ وَٱلْقَمَرَ كُلٌّ يَجْرِي لأَجَلٍ مُّسَمًّـى يُدَبِّرُ ٱلأَمْرَ يُفَصِّلُ ٱلآيَاتِ لَعَلَّكُمْ بِلِقَآءِ رَبِّكُمْ تُوقِنُونَ
٢
-الرعد

روح البيان في تفسير القرآن

{ الله } مبتدأ خبره قوله { الذى رفع السموات } خلقها مرفوعة بينها وبين الارض مسيرة خمسمائة عام لا ان تكون موضوعة فرفعها { بغير عمد } بالفتح جمع عماد او عمود وهو بالفارسية [استون] حال من السموات اى رفعها خالية من عمد واساطين { ترونها } الضمير راجع الى عمد والجملة صفة لها اى خيالية من عمد مرئية وانتفاء العمد المرئية يحتمل ان يكون لانتفاء العمد والرؤية جميعا اى لا عمد لها فلا ترى ويحتمل ان يكون لانتفاء الرؤية فقط بان يكون لها عماد غير مرئى وهو القدرة فانه تعالى يمسكها مرفوعة بقدرته فكأنها عماد لها او العدل لان بالعدل قامت السموات اى العلويات والسفليات

آسمان وزمين بعدل بباست شد زشاهان بغير عدل نخاست
كرنباشد ستون خيمه بجاى كى بود خيمه بى ستون برباى

ويجوز ان يكون ترونها جملة مستأنفة فالضمير راجع الى السموات كأنه قيل ما الدليل على ان السموات مرفوعة بغير عمد فاجيب بانكم ترونها غير معمودة { ثم استوى على العرش } ثم لبيان تفاضل الخلقين وتفاوتهما فان العرش افضل من السموات لا للتراخى فى الوقت لتقدمه عليها والاستواء فى اللغة بالفارسية [راست بيستادن] والعرش سرير الملك وهو هنا مخلوق عظيم موجود هو اعظم المخلوقات وتحته الماء العذب كما قال تعالى { { وكان عرشه على الماء } وهو بحر عظيم لا يعلم مقدار عظمته الا الله. والمعنى على ما فى بحر العلوم ثم اوفى على العرش يقال اوفى على الشيء اذا اشرف عليه اى اطلع عليه من فوق وفى الحديث "ان الله كبس عرصة جنة الفردوس بيده ثم بناها لبنة من ذهب مصفى ولبنة من مسك مذرى وغرس فيها من كل طيب الفاكهة وطيب الريحان وفجر فيها انهارها ثم اوفى ربنا على عرشه فنظر اليه فقال وعزتى وجلالى لا يدخلك مدمن خمر ولا مصرّ على زنى ولا ديوث ولا قتات ولا قلاع ولا جياف ولا ختار"
وقال البيضاوى { ثم استوى على العرش } بالحفظ والتدبير فالاستواء على العرش عبارة عن الاستيلاء على الملك والتصرف فيما رفعه بلا عمد يقال استوى فلان على العرش اذا ملك وان لم يقعد عليه البتة.
قال ابن الشيخ الظاهر ان كلمة ثم لمجرد العطف والترتيب مع قطع النظر عن معنى التراخى لان استيلاءه تعالى على التصرف فيما رفعه ليس بمتراخ عن رفعه والتحقيق ان المراد بهذا الاستواء استواؤه سبحانه لكن لا باعتبار نفسه وذاته تعالى علوا كبيرا عما يقول الظالمون بل باعتبار امره الايجادى وتجليه الحبى الاحدى وانما كان العرش محلى هذا الاستواء لان التجليات التى هى شروط التجليات المتعينة والاحكام الظاهرة والامور البارزة والشئون المتحققة فى السماء والارض وفيما بينهما من عالم الكون والفساد بالامر الالهى والايجاد الازلى انما تمت باستيفاء لوازمها واستكمال جوانبها واستجماع اركانها الاربعة المستوية فى ظهور العرش بروحه وصورته وحركته الدورية لانه لا بد فى استواء تجليات الحق فى هذه العوالم بتجليه الحبى وامره الايجادى من الامور الاربعة التى هى من هذه التجليات الحبية والايجادية الحسية هى حركة العرش وهى بمنزلة الحد الاكبر ولما استوى امر تمام حصول الاركان الاربعة الموقوف عليها بتوقيف الله التجليات الايجادية الامرية المتنزلة بين السموات السبع والارضين السبع بحسب مقتضيات استعدادات اهل العصر وموجبات قابليات اصحاب الزمان فى كل يوم بل فى كل آن كما اشير اليه بقوله تعالى
{ { يتنزل الامر بينهن } وقوله { { كل يوم هو فى شأن } فى العرش كان العرش مستوى الحق بهذا الاعتبار واستواء الامر الايجادى على العرش بمنزلة الامر التكليفى الارشادى على الشرع وكل منهما مقلوب الآخر كذا فى الابحاث البرقيات لحضرة شيخنا الاجل قدس الله سره { وسخر الشمس والقمر } ذللهما لما يراد منهما وهو انتفاع الخلق بهما كما قال فى بحر العلوم معينى تسخيرهما نافعتين للناس حيث يعلمون عدد السنين والحساب بمسير الشمس والقمر وينوران لهم فى الليل والنهار ويدرآن الظلمات ويصلحان الارض والابدان والاشجار والنباتات { كل } منهما { يجرى لاجل مسمى } اللام بمعنى منهما يغرب كل ليلة فى منزل ويطلع فى منزل حتى ينتهى الى اقصى المنازل { يدبر الامر } يقضى ويدبر امر ملكوته من الاعطاء والمنع والاحياء والاماتة ومغفرة الذنوب وتفريج الكروب ورفع قوم ووضع آخرين وغير ذلك.
وفى التأويلات { يدبر الامر } امر العالم وحه وهو يدل على ان الاستواء اى العلو على العرش بالقدرة لتدبير المكونات لا للتشبيه { يفصل الايات } يبين البراهين الدالة على التوحيد والبعث وكمال القدرة والحكمة { لعلكم } [شايدكه شما] { بلقاء ربكم } [بديدار بروردكار خود يعنى بديدن جزا كه خواهد داد در قيامت] { توقنون } [بى كمان كرديد ودانيدكه هركه قادرست برآفريدن اين اشيا قدرت دارد براعاده واحيا].
قال فى بحر العلوم لعل مستعار لمعنى الارادة لتلاحظ معناها ومعنى الترجى اى يفصل الايات ارادة ان تتأملوا فيها وتنظروا فتستدلوا بها عليه ووحدته وقدرته وحكمته وتتيقنوا ان من قدر على خلق السموات والعرش وتسخير الشمس والقمر مع عظمها وتدبير الامور كلها كان على خلق الانسان مع مهانته وعلى اعادته وجزائه اقدر.
واعلم انه كان ما كان من ايجاد عالم الامكان ليحصل للناس المشاهدة والاطمئنان والايقان: قال المولى الجامى

سبير آب كن زبحر يقين جان تشنه را زين بيش خشك لب منشين برسر آب ريب

وعن سيدنا على رضى الله عنه لو كشف الغطاء ما ازددت يقينا وذلك ان اهل المكاشفة وصلوا من علم اليقين الى عين اليقين الذى يحصل لاهل الحجاب يوم القيامة فلو ارتفع الغطاء وهو دار الدنيا وظهرت الآخرة ما ازدادوا يقينا بل كانوا على ما كانوا عليه فى الدنيا بخلاف اهل الحجاب فان علمهم انما يكون عين اليقين يوم القيامة ويدل عليه قوله عليه السلام "الناس نيام فاذا ماتوا انتبهوا" اى ماتوا موتا اختياريا او اضطراريا حصل لهم اليقظة. فعلى العاقل تحصيل اليقين والنظر بالعبرة فى آيات رب العالمين.
قال الفقيه لاغنية للمؤمن عن ست خصال. اولاها علم يدل على الآخرة والثانية رفيق يعينه على طاعة الله ويمنعه عن معصية الله. والثالثة معرفة عدوه والحذر منه. والرابعة عبرة يعتبر بها فى آيات الله وفى اختلاف الليل والنهار. والخامسة انصاف الخلق لكيلا يكون له يوم القيامة خصماء. والسادسة الاستعداد للموت ولقاء الرب قبل نزوله كيلا يكون مفتضحا يوم القيامة