التفاسير

< >
عرض

وَعَلامَاتٍ وَبِٱلنَّجْمِ هُمْ يَهْتَدُونَ
١٦
-النحل

روح البيان في تفسير القرآن

{ وعلامات } اى وجعل فيها معالم يستدل بها السابلة وهى القوم المختلفة على الطريق بالنهار من بجبل وسهل ومياه واشجار وريح كما قال الامام رأيت جماعة يشمون التراب وبواسطة ذلك الشم يتعرفون الطرقات { وبالنجم هم يهتدون } بالليل فى البرارى والبحار حيث لا علامة غيره ولعل الضمير لقريش فانهم كانوا كثيرى التردد للتجارة مشهورين بالاهتداء بالنجوم فى اسفارهم وصرف النظم عن سنن الخطاب وتقديم النجم واقحام الضمير للتخصيص كأنه قيل وبالنجم خصوصا هؤلاء يهتدون فالاعتبار بذلك الزم لهم والشكر عليه اوجب عليهم والمراد بالنجم الجنس او هو الثريا والفرقدان وبنات نعش والجدى وذلك لانها تعلم بها الجهات ليلا لانها دائرة حول القطب الشمالى فهى لا تغيب والقطب فى وسط بنات نعش الصغرى والجدى هو النجم المفرد الذى فى طرفها والفرقدان هما النجمان اللذان فى الطرف الآخر وهما من النعس والجدى من البنات ويقرب من بنات نعش الصغرى بنات نعش الكبرى وهى سبعة ايضا اربعة نعش وثلاث بنات وبازاء الاوسط من البنات السهى وهو كوكب خفى صغير كانت الصحابة رضى الله عنهم تمتحن فيه ابصارهم كذا فى التكملة لابن عسكر. قال عمر بن الخطاب رضى الله عنه تعلموا من النجوم ما تهتدون به فى طرقكم وقبلتكم ثم كفروا وتعلموا من الانساب ما تصلون به ارحامكم قيل اول من نظر فى النجوم والحساب ادريس النبى عليه السلام. قال بعض السلف العلوم اربعة الفقه للاديان والطب للابدان والنجوم للازمان والنحو للسان واما قوله عليه السلام "من اقتبس علما من النجوم اقتبس شعبة من السحر" اى تعلم قطعة منه فقد قال الحافظ المنهى عنه من علم النجوم هو ما يدعيه اهلها من معرفة الحوادث الآتية من مستقبل الزمان كمجيء المطر ووقوع الثلج وهبوب الريح وتغير الاسعار ونحو ذلك ويزعمون انهم يدركون هذا بسير الكواكب واقترانها وافتراقها وظهورها فى بعض الازمان دون بعض وهذا علم استأثر الله به لا يعلمه احد غيره كما حكى انه لما وقع قران الكواكب السبعة فى دقيقة من الدرجة الثالثة من الميزان سنة احدى وثمانين وخمسمائة حكم المنجمون بخراب الربع المسكون من الرياح وكان وقت البيدر ولم يتحرك ريح ولم يقدر الدهاقين على رفع الحبوب ولذا استوصى تلميذ من شيخه بعد التكميل عند افتراقه فقال ان اردت ان لا تحزن ابدا فلا تصحب منجما وان اردت ان تبقى لذة فمك فلا تصحب طبيبا. قال الشيخ [منجمى بخانه خود در آمد مرد بيكانه را ديد بازن او بهم نشسته دشنام داد وسقط كفت وفتنه وآشوب برخاست صاحب دلى برين حال واقف شد وكفت

تو بر اوج فلك جه دانى جيست جو ندانى كه درسراى تو كيست

فاما ما يدرك من طريق المشاهدة من علم النجوم الذى يعرف به الزوال وجهة القبلة وكم مضى وكم بقى فانه غير داخل فى النهى انتهى كلام الحافظ مع زيادة.
يقول الفقير اصحاب النظر والاستدلال محتاجون الى معرفة شىء من علم النجوم والحكمة والهيئة والهندسة ونحوها مما يساعده ظاهر الشرع الشريف اذ هو ادخل فى التفكر وقد قال تعالى
{ ويتفكرون في خلق السموات والارض } ولا يمكن صرف التفكر الى المجهول المطلق فلا بد من معلومية الامر ولو بوجه ما وهذا القدر خارج عن الطعن والجرح كما قال السيد الشريف النظر فى النجوم ليستدل بها على توحيد الله تعالى وكمال قدرته من أعظم الطاعات واما اربابا الشهود والعيان فطريقهم الذكر وبه يصلون الى مطالعة انوار الملك والملكوت ومكاشفة اسرار الجبروت واللاهوت فيشاهدون فى الانفس والآفاق ما غاب عن العيون ويعاينون فى الظاهر والباطن ما تحير فيه الحكماء والمنجمون ثم ان الاهتداء اما بنجوم عالم الآفاق وهو للسائرين من ارض الى ارض واما بنجوم عالم الانفس وهو للمهاجرين من حال الى حال وفى الحديث "اصحابي كالنجوم بأيهم اقتديتم اهتديتم" وهذا الاقتداء والاهتداء مستمر باق الى آخر الزمان بحسب التوراث فى كل عصر فلا بد من الدليل وهو صاحب البصيرة والولاية كامل التصرف فى الهداية المخصوص بالعناية: قال الحافظ

بكوى عشق منه بى دليل راه قدم كه من بخويش نمودم صد اهتمام ونشد

وفى التأويلات النجمية والقى فى ارض البشرية جبال الوقار والسكينة لئلا تميل بكم صفات البشرية عن جادة الشريعة والطريقة وانهارا من ماء الحكمة وطريق الهداية لعلكم تهتدون الى الله تعالى وعلامات من الشواهد والكشوف وبنجم الهداية من الله يهتدون الى الله وهو جذبة العناية يخرجكم بها من ظلمات وجودكم المجازى الى نور الوجود الحقيقى انتهى.
قال الشيخ ابو القاسم الخزيمى الغرارى فى كتاب الاسئلة المقحمة فى الاجوبة المفحمة قوله تعالى
{ والقى فى الارض } الى قوله { لعلكم تهتدون } فيه دليل انه تعالى اراد من الكل الاهتداء والشكر وان كل من لا يهتدى فليس ذلك بارادته تعالى والجواب المراد به ان يذكرهم النعم التى يستحق عليها الشكر فى قوله تعالى { خلق السموات والارض } الى قوله { وان تعدوا نعمة الله لا تحصوها } ثم بين تعالى ان هذه النعم كلها توجب الشكر والهداية ثم يختص بها من يشاء كما قال تعالى { ولو شاء لهداكم اجمعين
}.